القسم المحرم وهو: القسم بالله على أمر دنيوي كاذباً، وهذا القسم الممنوع لا يدخل فيه الشرك، وإنما هو قسم محرم.
ودليل هذا القسم وأساسه قول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}[آل عمران:٧٧]، وأيضاً ورو في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(اليمين الفاجرة)، واليمين الفاجرة هذه غير الغموس، فالفاجرة: هي المنفقة للسلعة الممحقة للبركة، وهي كأن يقول: أقسم بالله أني اشتريتها بكذا، وهي نوع من أنوع الغموس، لكن على خلاف، اشتريتها بكذا ليبيع سلعته، أو هو يجعل الله عرضة ليمينه، كما في الطبراني بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم) وذكر منهم: من اتخذ الله جل وعلا سلعة أو اتخذ يمينه سلعة، فلا يبيع إلا بقسم ولا يشتري إلا بها، ولا يجلس إلا بقسم ولا يقوم إلا بها، فأصبح القسم سلعة في لسانه، فهذه أيضاً من اليمين الفاجرة.
أما اليمين الغموس: فهي اليمين الكاذب فيها صاحبها على شيء مضى، وهذا تعريفها عند الجماهير.
وسميت غموساً؛ لأن صاحبها لا كفارة له، وإنما يغمس في جهنم، وهذا خلافاً للشافعية، وذلك أنهم قالوا: لها كفارة، والجماهير قالوا: اليمين الغموس ليس لها كفارة، لكن الشافعية يرون أن لها كفارة بقياس الأولى.
فالمقصود: أن اليمين الغموس يراه الجمهور يميناً مطلقاً، أي: أن يقسم بالله كذباً على شيء مضى، مثلاً: سرق رجل مالاً، فلما عاودوه وقالوا: أنت أخذت هذا المال، فأقسم بالله -وهو مستيقن أنه كاذب- أنه لم يأخذ هذا المال، فهذا اليمين عند جماهير أهل العلم يمين غموس ليس له كفارة، بل لا بد أن يغمس صاحبه في نار جهنم.
وقال بعض العلماء -وهذا أدق-: اليمين الغموس ليس مطلقاً الذي يقسم صاحبه به كاذباً ليستقطع مال امرئ مسلم، واستدلوا على ذلك بحديث صحيح، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بين اليمين الغموس بالذي يقسم به صاحبه ليقتطع مال امرئ مسلم زوراً، فيبقى اليمين الغموس هو أن يكون بينه وبين الآخر حق، فيقول صاحبه: هذا حقي، وهو يقول: لا، هو حقي، فيقول: تقسم بالله، فيقسم بالله متجرئاً ليأخذ منه هذا المال، فيأخذه منه ظلماً، فهذه هي اليمين الغموس.
أما لو فعل شيئاً في الماضي وأقسم أنه لم يفعله -وهو يعلم أنه كاذب- فلا تدخل في اليمين الغموس، وهذا هو الراجح الصحيح، أي: أن الراجح هو: أن المطلق يحمل على المقيد، والجمهور يرون أن هذا فرد من أفراد العموم لا يخصصه.
وعلى كل فالمسألة خلافية، إما على الإطلاق أو التقييد، ونحن لا نقول هذا التفصيل للعوام، وإنما نقول لهم: من أقسم كاذباً في شيء مضى -وهو يعلم أنه كاذب- فهذا يمين غموس لا كفارة له.
والحاصل: أنه يمين محرم، وهو اليمين الذي يتخذ الله فيه سلعة حتى يبيع ويشتري به، أو اليمين التي هي منفقة للسلعة ممحقة للبركة، أو التي يكون فيها صاحبها كاذباً على شيء مضى، وهو متأكد أنه كاذب فيه.