[الترجيح بين القولين والرد على أدلة القول المرجوح]
والصحيح الراجح من ذلك: هو القول الأول، وهو: أن طلب الرقية من الغير قادح في التوكل، أو قادح في كمال التوكل، لصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يسترقون)، أي: لا يطلبون الرقية.
ولصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من استرقى فقد برئ من التوكل)، أي: برئ من كمال التوكل وليس من كل التوكل، وذلك للأدلة الأخرى الظاهرة على ذلك.
وأما الرد على المخالف فنقول: إن الأدلة ليست في محل النزاع، والدليل الوحيد الذي هو في محل النزاع: حديث: (تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام)، فنقول لهم: نحن معكم في أن هذا من الدواء، ولكن من الدواء ما هو مكروه طلبه، مع أنه يجوز أن يتداوى به، ومن ذلك الرقية، فيكره للمرء أن يطلبها، لأن هذا قادح في كمال التوكل.
إذاً: فالحديث ليس في محل النزاع، فليس نزاعنا هل هو دواء أم لا؟ وإنما نزاعنا هل هو قادح في التوكل أم لا؟ فإن قالوا: أنتم لم تفهموا دليلنا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فقال:(تداووا)، أي: اطلبوا الدواء، واطلبوا الرقية، قلنا: نعم، كلامكم صحيح، وهو وجه قوي جداً، ولكنه لا يقوى على أن يجابهنا.
فإن قالوا: كيف ذلك؟ قلنا:(تداووا) عموم مطلق، أي: تداووا عباد الله لكل شيء، واطلبوا الدواء، ولا تتداووا بحرام، وهذا العام قد خصص بحديث:(لا يسترقون) فمن طلب الرقية فقد برئ من التوكل، فيبقى معنى تداووا: اطلبوا الدواء المجرب، والدواء الحسي والمعنوي، وذلك دون أن تسترقوا، أي: أنكم لو طلبتم الرقية فقد قدح ذلك في كمال توكلكم.
إذاً: هذا عام مخصوص بالاسترقاء؛ لأن الإسترقاء قادح في كمال التوكل، وهذا الراجح والصحيح.
فإن استدل أحد بأنها من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)، فتبرع ورقى غيره فنقول: الرقية تأتي ثمارها بشرطين اثنين: الأول: أن يكون الراقي تقياً ورعاً.
الثاني: أن يكون المسترقي متيقناً.
فإن تخلف شرط من الشرطين فلا تثمر النتيجة؛ لأن كل حكم مرتبط بشروط أو بأسباب لا يوجد إلا بوجود هذه الأسباب.