للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبهة والرد عليها]

حكى الإمام الشوكاني عن بعض العلماء أنهم قالوا: لا توسل لا بالذوات ولا بالأرواح ولا بالأفعال ولا بالإيمان ولا بالأعمال الصالحة، واستدلوا على ذلك بأدلة: الدليل الأول: قول الله تعالى أمراً نبيه أن يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا} [الأعراف:١٨٨]، فإذا توسلوا بدعائه فهذا نفع، وهو لا يملك لنفسه نفساً ولا ضراً، فمن باب أولى لا يملك لغيره.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:١٩].

فهذه أدلة على أن التوسل بدعاء الأنبياء في حياتهم، وبدعاء الصالحين لا يصح.

والجواب على ذلك بالأدلة التي أثبتت جواز التوسل بدعاء الصالحين، منها قول عكاشة: ادع الله لي يا رسول الله.

ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر في الحديث: (ادع الله لنا يا عمر) وهو حديث ضعيف، ولكن يستأنس به، وفيه إثبات من النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الدعاء من الأحياء، وما أتوا به من الأدلة نافية، والمثبت يقدم على النافي، وهذا هو الأمر الأول.

والأمر الثاني: أن دليلنا قطعي، وهو قول عكاشة: ادع الله لي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت منهم، أو قال: قد دعوت فأنت منهم)، ودليلكم محتمل، وهو قول الله جل وعلا: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} [الانفطار:١٩] ووجه الاحتمال: أن هذا في يوم القيامة، ولا ملك يومئذ إلا لله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [غافر:١٦]، فالاستدلال بهذه الآية في غير محل النزاع، والنزاع كله في أمر الدنيا، وهو التوسل بدعاء الصالحين، وهو في الآخرة، والآخرة كلها لله جل في علاه.

أما قول الله تعالى أمراً نبيه أن يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا} [الأعراف:١٨٨]، فهو بيان لحال النبي صلى الله عليه وسلم على العموم، فهو لا يملك نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله، وقد أذن الله له بالشفاعة في الآخرة، وأذن له بالدعاء لإخوانه في الدنيا، فالدليل لنا وليس علينا، فنحن نوافق على أن النبي لا يملك نفعاً ولا ضراً، لا لنفسه ولا لأحد من الناس، إلا إذا مكنه الله، وقد مكنه بالدعاء للصالحين من أصحابه، ومكنه من الشفاعة في الآخرة.

فالخلاصة أن التوسل الصحيح: هو أن يتأدب العبد مع الله؛ حتى يستجيب دعاءه، ويتقدم بين يدي دعائه بأقوال وأفعال كلها عبادات، ويتوسل بذات الله وأفعاله وصفاته وأسمائه، فيقول: يا رحمان! ارحمني، يا رزاق! ارزقني، وأما يا جبار! اغفر لي، فهو خطأ وسوء أدب مع الله؛ لأنه لابد من الإتيان بما يناسب الحال، كأن تقول: يا جبار! انتقم من الظالمين، ولا تقل: يا جبار! ارحمني، بل: يا رحمان! ارحمني، وهذا من الأدب في التوسل بأسماء الله وصفاته.

وأيضاً: التوسل بالأعمال الصالحة، كما فعل أصحاب الغار وغيرهم، وهذا أخر ما تكلم عنه الشوكاني رحمه الله في التوسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>