للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منكرو الشفاعة والرد عليهم]

من الذين أنكروا الشفاعة مصطفى محمود، ومصطفى محمود من المعتزلة, لأن المعتزلة هم الذين أنكروا الشفاعة، وقالوا: لا شفاعة، لكن مع ذلك أثبتوا الشفاعة العظمى ولم ينكروها، وإنما أنكروا الشفاعة لأهل الكبائر, فصاحب الكبيرة عند المعتزلة في منزلة بين المنزلتين، أي: أنه في الدنيا لا كافر ولا مؤمن، أما في الآخرة فهو مخلد في النار.

أما الخوارج فقالوا: صاحب الكبيرة كافر في الدنيا والآخرة، وهو مخلد في النار، ولما ناظرهم ابن عباس رجع بثلثي الخوارج.

إذاً: فالمعتزلة كانوا أجبن عند اللقاء من الخوارج، قالوا: لا نقول كافراً؛ لأنه يقول: لا إله إلا الله، لكن هو في منزلة بين المنزلتين، ويسمى فاسقاً في الدنيا، لكن حكمه في الآخرة حكم الكفرة، ولا يمكن أن يكون من أهل الجنان، ولا يمكن أن يشفع له أحد؛ لأن الله نفى الشفاعة عن الكافرين، وهم قد استحقوا الخلود في النار.

فإذاً قول المعتزلة وقول الخوارج ينبثق عن قولهم واعتقادهم بأن أهل الكبائر من الكفار وليسوا من المسلمين، وهذا منهج فيه العطب، فقد ضيع كثيراً من الشباب في مصر والجزائر والسعودية؛ لعدم انضباطهم الفكري، وعدم تعلمهم علم الدين الصحيح على أصله وأسسه.

إذاً: نقول: إن الشفاعة التي أنكرها المعتزلة ثابتة بالسنة الناصعة، وقد أجمع عليها أهل السنة والجماعة، وأهل الاعتزال وأهل الخوارج من المبتدعة لا يخرمون ولا يخرقون هذا الإجماع بحال من الأحوال.

ويبقى لنا فقط ما قاله المؤلف حيث أتى بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يختم به جواز شفاعة المخلوق للمخلوق بما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له: (إنا نستشفع بك على الله، وإنا نستشفع بالله عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحكم! شأن الله أعظم من ذلك، أو قال: إنه لا يستشفع بالله على أحد) أي: لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، فهم عندما قالوا: (يا رسول الله! إنا نستشفع بك على الله) أقرهم، ولما قالوا: (إنا نستشفع بالله عليك، قال: شأن الله أعظم، إنه لا يستشفع بالله على أحد) فوجه الدلالة كأنهم يقولون: إنا نستشفع بدعائك في حياتك، وبشفاعتك في عرصات يوم القيامة عند البعث، وهذا فيه رد على الذين يستشفعون بالنبي وهو ميت.

إذاً: وجه الدلالة أنهم يستشفعون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك آية تثبت ذلك، وهي قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء:٦٤] أي: يستشفعون بدعائك؛ {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيماً} [النساء:٦٤]، فاستشفعوا باستغفار ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

أما إنكار النبي صلى الله عليه وسلم قولهم: (وإنا نستشفع بالله عليك) فلعظم حق الله جل في علاه؛ لأنهم بذلك كأنهم أنزلوا الخالق منزلة المخلوق، وأما المخلوق فممكن أن يذهب زيد ليشفع لمحمد عند عمرو، وقد يقبل عمرو شفاعة زيد أو يردها، لكن لا يمكن أن يشفع الله عند أحد، ثم هذا المشفوع عنده يقبل كلام الله أو يرده، هذا لا يمكن؛ لأن هذا سوء أدب مع الله؛ ولأن الله هو الحاكم والكل محكوم، والله هو الرب والكل مربوب، والله هو الخالق والكل مخلوق، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

إذاً: الشفاعة كلها يملكها الله جل في علاه، وعباد الله ملك لله جل في علاه، وإذا قضى أمراً فلا أحد يستطيع أن يرد قضاء الله جل في علاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>