التوسل الممنوع هو: ما منعه الشرع؛ لأن التوسل عبادة، فصرفها لغير الله شرك، ولم يبحه الشرع، وإنما بين حرمته، وهو على قسمين: الأول: شرك محض، وإنما سمي توسلاً من باب التجور، وهذا التوسل أو الشرك هو الذي يذهب فيه المكلف إلى ميت أو قبر من قبور الصالحين، أو قبور الأنبياء، كقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو قبر موسى أو قبر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسألهم تفريج الكربات وسد الخلات وإعطاء الحاجات، ويسألهم نزول المطر وشفاء المريض وغير ذلك، وهذا نوع من أنواع الشرك المحض، وهو واقع مشاهد نشاهده دائماً فيمن يذهبون إلى إبراهيم عبد الباعث، ويقفون عند قبره، ويسألونه إنزال المطر أو تفريج الكربات، وبعضهم يحجون للـ بدوي، ويتركون الحج إلى بيت الله الحرام، فينفقون أموالاً طائلة، ويذهبون بالملايين إلى البدوي يسألونه تفريج الكربات وسد الحاجات، أو إنزال الخيرات، وهذا من الشرك، وإذا سألتهم أو خاصمتهم ونازلتهم على ما يفعلون، يقولون بما قال مشركوا العرب:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:٣].
فمن هنا سمي هذا الفعل توسلاً؛ لأنهم قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله، وليست هذه العبادة قصداً لهم، بل هي لله، لكن لا بد لنا من حاجب يدخلنا عليه، فهذا الحاجب يصرفون له هذه العبادة ليدخلهم على الله، وقالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:٣].
وهذا التوسل المحض شرك أكبر يخرج من الملة، فهو شرك من وجهين: الوجه الأول: شرك في الإلهية.
الوجه الثاني: شرك في الربوبية أي: أنهم كفروا من وجهين: أما الشرك في الإلهية: فلأنه صرف عبادة لا تكون إلا لله لغير الله، وهذه العبادة هي الدعاء.
والدليل على أن الدعاء عبادة: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، وقول الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}[غافر:٦٠]، فوجه الدلالة: أنه سبحانه سمى الدعاء عبادة وأمر به، ولا يأمر إلا بما يحب، وما يحبه سبحانه عبادة، والقاعدة: أن كل عبادة ثبتت بالشرع فصرفها لله توحيد خالص، وصرفها لغير الله شرك، فمن دعا البدوي أو الجيلاني أو إبراهيم عبد الباعث أو أبي الدرداء أو المرسي أبي العباس فقد صرف الدعاء لغير الله فأشرك في الإلهية.
وأما الشرك في الربوبية: فإن ذهب وسأله تفريج الكربات، وقال: مدد يا بدوي! والمدد طلب العون من غير الله، فهذا شرك في الربوبية؛ لأنه اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، والذين كسروا ما يتعلق بذلك القبر فقد أخطؤا؛ لأن هذا العمل ينزل تحت المصالح والمفاسد، فعندما قام البعض بالتكسير جاء المنتصرون للقبر وجددوا البناء بالحديد، وكتبوا عليها: مدد يا بدوي! وقد قعد شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك قاعدة وهي: أنه من أنزل المخلوق منزلة الخالق، أو الخالق منزلة المخلوق فقد كفر، فالمكلف إذا فعل ذلك فقد أنزل المخلوق منزلة الخالق من وجهين: الوجه الأول: أنزله منزلة الخالق؛ لأنه صرف له عبادة لا تكون إلا للخالق.
الوجه الثاني: أنزله منزلة الخالق؛ لأنه اعتقد فيه أنه يحرك الكون من دون الله جل في علاه، أو يستطيع أن يفرج الكربات من دون الله جل في علاه، فهذا اعتقاد شركي.
إذاً: القسم الأول من التوسل الممنوع هو الشرك، أو التوسل الشركي الذي يخرج به صاحبه من الملة، وإطلاق التوسل عليه تجوزاً.