وهل أخذ الأجرة على الرقى حلال أم لا؟ هذا أيضاً مختلف فيه بين العلماء على قولين: القول الأول: يجوز أخذ الأجرة على الرقية، وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة جداً، منها: أولا: حديث أبي سعيد الخدري عندما قال: والله لا أرقي حتى تأتوني بقطيع من الغنم، أو تضربوا لنا بسهم، فلما رقاه وشفاه الله، أخذوا قطيع الغنم فقالوا: والله لا نأكل منها حتى نأتي إلى رسول الله، فلما ذهبوا إلى رسول الله وقصوا عليه القصة، قال لهم مقرا بما فعلوا:(وما أدراك أن الفاتحة رقية) وهذا أول إقرار، والإقرار الثاني قال:(اضربوا لي معكم بسهم)؛ لأنه هو الذي علمه هذه الرقية، وهذه مبالغة في الحِليَّة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيأكل.
ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعمري كل -أي: كل من أجرة الرقية- فإن من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق) فسماه أكلاً، وقال:(لعمري كل) وقد سأله: (أنأكل من أجرة الرقية؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كل)، أي: أنها حلال لك، فهنيئا مريئا أن تأكل، والرقية الحق تكون بأسماء الله الحسنى أو بالقرآن أو بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا فيه دلالة واضحة جداً على أنه يجوز أن يأخذ الأجرة على الرقية.
القول الثاني: لا يجوز أخذ الأجرة على الرقية، واستدلوا على ذلك بأدلة من الأثر ومن النظر.
فأما من الأثر: فقول النبي صلى الله عليه وسلم (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) وهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم، والأمر للوجوب، فيكون عبادة، والعبادة لا أجر فيها، فلا يأخذ عليها أجراً.
وأما من النظر فقالوا: الرقية عبادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء) والرقية هي: وصول النفع للغير، فهي كالشفاعة، فقالوا: هي عبادة، والأصل في العبادات عدم أخذ الأجرة؛ لأن الأصل أن كل عبادة يطلب فيها الأجر من الله.
وأيضاً استأنسوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)، فقالوا: هذا من النفع الذي يصل إلى الأخ.