للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم التبرك بدعاء الصالحين وعلمهم وعبادتهم]

لا يجوز بحال من الأحوال التبرك بذوات الصالحين، وإنما يجوز التبرك بدعائهم وعلمهم وعبادتهم وهذا ليس فيه تناقض؛ لأن التبرك بدعاء الصالحين وعلمهم وعبادتهم يعتبر من التوسل المشروع، وإليك بعض الأدلة: فمما يدل على جواز التبرك والتوسل بدعاء العبد الصالح، ما ورد في الحديث عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال له عكاشة بن محصن: يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم، فقال: أنت منهم)، فإنه توسل وتبرك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً: تبرك الرجل الأعمى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، فرد الله عليه بصره، فهذا تبرك بدعاء الصالحين، ولا نقول: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هناك الكثير من الأدلة التي تدل على أن الصحابة كان بعضهم يسأل بعضاً أن يدعو له، بل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي رجل مع إمداد أهل اليمن يقال له: أويس القرني من مراد ثم من قرن، له والدة هو بها بر، فمن رآه منكم فليستغفر له)، أي: يسأله أن يدعو له بالمغفرة، فقال عمر: (أنت أويس؟ قال نعم، قال: استغفر لي، قال: أنا يا أمير المؤمنين! قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنك: كذا وكذا).

فهذه الأدلة تدل على جواز التبرك بدعاء الصالحين، وما من عالم من العلماء إلا كان يتبرك بدعاء الصالحين من العلماء في عصره.

أيضاً: نتبرك بعلم الصالحين، فإن العلم بركة، فنتبرك بمجالسه أهل العلم لما فيها من الخير، ففيها تحفنا الملائكة، ونُذكر بأسمائنا وأسماء أبائنا وأمهاتنا عند ربنا جل في علاه، ويثني الله على أهل المجلس خيراً، ويقول الله جل وعلا: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)، فالبركة كل البركة أن تسمع حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم فتنتفع به وتعمل، فيكون سبب نجاتك في هذا الحديث، فهذا تبرك بعلم الصالحين.

ويكون التبرك كذلك بعبادة الصالحين، ويكون ذلك بأمرين: الأمر الأول: أننا نتأسى بهم في هذه العبادة، ونحاول أن نعمل مثل عملهم.

الأمر الثاني: أن المكان الذي تكون فيه العبادة تحفة الملائكة، وتنزل منه الخيرات والبركات، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:٩٦]، ولذلك نحن نقول للمرأة: لا تشددي على زوجك وتكثري عليه من الطلبات، بل أكثري من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الاستغفار، ومن العبادات في بيتك، وعندها تجدين الخير يأتي مع زوجك؛ لأن البركة كل البركة في الصلاح، وفي عبادة المرأة في بيتها، فهذا أيضاً من التبرك بعبادات الصالحين.

فإذاً نقول: لا يجوز التبرك بذوات الصالحين وآثارهم، ويجوز التبرك بما يكون متعدياً من الصالحين، كدعاء وعلم وعبادة وذكر واستغفار وقراءة قرآن، وكل فعلٍ متعدٍ منهم، ولنا في ذلك أسوة بالصالحين الذين كانوا سلفاً لنا.

ومن التبرك المشروع: التبرك بسير العلماء الصالحين، وهذا ليس تبركاً بذات العلم، وإنما تبرك بسيرته لنتأسى به؛ كيف عَبَدَ الله جل في علاه، وكيف جاب الأرض شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، فنتبرك بالتأسي بفعل هؤلاء الصالحين، لا بذواتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>