[التوسل بالله]
القسم الأول: التوسل بالله جل في علاه، ويندرج تحته التوسل بذات الله وبأسمائه وصفاته وأفعاله، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠]، وقال جل في علاه: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠].
وقد بينت السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوسل بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله، قولاً وفعلاً وتقريراً.
أما بالقول: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إلى ربه ويقول (اللهم أني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتبك، أو استأثرت به في علم الغيب عند) ثم يأتي بالدعاء، وهذا من الأدب الجم مع الله، فالإنسان قبل أن يدعو الله يقدم بين يدي دعائه ثناءً على الله، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً يطلب من ربه دون أن يتأدب، ويتقدم بين يدي دعائه بالثناء على الله والتوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجل هذا) فحري ألا تجاب دعوته؛ لأنه تعجل ولم يأت بالآداب التي لا بد أن يتأدب بها بين يدي دعائه.
وأما من تقريره صلى الله عليه وسلم: ففي الحديث: (أنه مر على رجل فرآه يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد) فأقره على ذلك، وقال توضيحاً: (لقد سأل الله باسمه الأعظم -أي: توسل إلى ربه باسمه الأعظم- الذي إذ سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)، وقد علم المكروب إذا توسل إلى ربه لكشف كربته أن يقول: (الله ربي لا أشرك به شيئاً)، وعلم أصحابه الأفاضل الأماجد الأكارم ذلك، فعلم أبا بكر أن يدعو الله في آخر صلاته ويقول: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) فهذا أيضاً توسل بأسماء الله جل في علاه.
فهذه كلها أدلة على التوسل بأسماء الله، فالأول: خاص، وهو قوله: (بكل اسم هو لك)، فالتوسل أولاً بالله ثم بمجموع أسمائه.
والثاني: توسل باسم من أسماء الله، تقريره صلى الله عليه وسلم لمن قال: (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت).
أما التوسل بصفات الله سبحانه: ففي الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: -متوسلاً بصفات الله-: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، وأيضاً ورد بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم عندما طلب من ربه طلباً وأبى عليه قال: (أعوذ بوجهك)، وفي بعض الروايات: (أعوذ بوجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض)، وكان كثيراً ما يقول: (برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) وهذه الأدلة فيها توسل بصفات الله جل في علاه، فقوله: (أعوذ بكلمات الله) فيه توسل بكلمات الله، وكلمات الله صفة من صفاته.
والدليل على أن الكلمات صفة من صفاته: هو أنه أضافها إليه، والمضاف لله نوعان: إضافة معاني، وإضافة أعيان، فإضافة الأعيان تكون إضافة تشريف: كبيت الله، وناقة الله، وعيسى روح الله، فهذه إضافة أعيان، فعيسى ليس صفة من صفات الله، وكذلك الكعبة والناقة ليستا من صفات الله، وإنما أضيفت لله إضافة تشريف.
والنوع الثاني: إضافة معاني: ككلام الله، وعزة الله، ورحمة الله، فالرحمة والعزة والكلام ليست أعياناً قائمة بذاتها، والرسول صلى الله عليه وسلم استعاذ بكلمات الله، فأضافها إلى الله، وهذا يدل على أنها صفة من صفاته جل في علاه، وهي من صفات الكمال.
وقوله: (أعوذ بوجهك) فيه استعاذة بوجه الله الذي هو صفة من صفاته.
ومن توسله صلى الله عليه وسلم بصفات الله قوله: (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث) فيتوسل بصفة من صفات الله، وهي الرحمة، واستغاث بصفة من صفات الله جل وعلا، وعلم أصحابه ذلك أيضاً.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بوجهك الكريم) فأضاف الوجه إلى الله، وهذه إضافة صفة للموصوف، فقد توسل بصفة من صفات الله.
ومن التوسل المشروع بالله جل في علاه: التوسل بأفعال الله: فإذا رأى العبد فعلاً من أفعال الله فله أن يتوسل به؛ ليستجاب دعاؤه، فيقول مثلاً: اللهم بنجاتك لنوح، نجني من المهلكات، فقد نادى نوح ربه جل في علاه فاستجاب له.
ومن التوسل بأفعال الله أن يقول العبد بين يدي دعائه -كما في الحديث-: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) أي: كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم فارحم محمداً وآل محمد، والصلاة هنا: الثناء، كأننا نقول في دعائنا وصلاتنا: اللهم كما أثنيت على إبراهيم في الملأ الأعلى، وأثنيت على آل إبراهيم في الملأ الأعلى، فأثن على محمد صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى، وهذا توسل بأفعال الله جل في علاه، وهو توسل مشروع.