القسم الثالث: التوسل بدعاء الصالحين، وهذا الذي يصح فقط، وهو أن يأتي إلى رجل من الصالحين، فيتوسل إلى الله بدعائه، لعل الله يقبل من هذا الصالح الدعاء الذي يتوسل به، والأدلة على ذلك كثيرة منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قيل: من هم يا رسول الله؟! فقال: هم الذين لا يتطيرون، ولا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن، -يتوسل بدعاء النبي؛ ليصل إلى هذه الدرجة- فقال: يا رسول الله! ادعو الله أن أكون منهم، فقال: أنت منهم) فهذا توسل بدعاء الصالحين، والشاهد هو قول عكاشة بن محصن:(يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت منهم) وهذا يستدل به علماؤنا على أنه يصح للإنسان أن يتوسل بدعاء الصالحين، وهذا ما يفعله بعض الناس الآن، فإذا سلم أحدهم على الآخر أو ودعه يقول: لا تنسنا من فضل دعائك، وهذا من التوسل بدعاء الصالحين، وإن كان البعض قد يفعل ذلك ولا يعلم ما الدليل على فعله، وهل هو صواب أو خطأ؟ ووجه الدلالة من هذه القصة على جواز التوسل بدعاء الصالحين هو إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لـ عكاشة، ولو كان التوسل بدعاء الصالحين ممنوعاً لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم عكاشة، ولكنه أقره، بل قال له:(أنت منهم).
ففي هذه القصة دليل على أنه يصح للإنسان أن يتوسل بدعاء الصالحين.
ومن الأدلة على جواز التوسل بدعاء الصالحين: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر بن الخطاب عندما ذهب للعمرة: (يا أخي! لا تنسانا من دعائك) وهذا حديث ضعيف، لكن يستأنس به مع هذا الدليل الصحيح، وقد احتج به شيخ الإسلام رحمه الله.
ومن الأدلة على ذلك: قول الله تعالى عن إخوة يوسف عندما ظهر كيدهم لأخيهم، وعلموا أن الله قد رفع يوسف عليهم:{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[يوسف:٩٧ - ٩٨]، قال العلماء: أخرها إلى السحر لأنه أرجى في القبول.
وفي هذه الآية دلالة على صحة التوسل بدعاء الصالحين، ووجه الدلالة هو أن الله أقر إخوة يوسف على طلبهم، وأقر يعقوب أيضاً على إقراره لهم بالسؤال أن يستغفر لهم.