ارتكز الشافعي في مذهبه على كتاب الله جل في علاه، فهو مصدر التشريع الأول، وهو الكتاب المعجز الذي تكلم به جل في علاه وسمعه جبريل ونزل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب نبراس كل من يريد النجاة، فكان الشافعي يأخذ بظاهر القرآن ما لم تأت قرينة تصرف الظاهر إلى المؤول، وهذا يظهر جلياً في مسألة نقض الوضوء من لمس المرأة، فقد قال الله تعالى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}[النساء:٤٣]، قال ابن عباس: هو الجماع، وهي كناية وهذا من أدب القرآن، لكن الشافعي قال: هذا خلاف الظاهر، وأصولنا أننا نأخذ بالظاهر، وعضد هذا الظاهر بالقراءة السبعية:(أو لمستم النساء)، فكان يأخذ بظاهر القرآن ما لم تأت قرينة تصرفه، هذا هو الأصل الأول عند الشافعي.
الأصل الثاني: السنة، وهي قرينة للأصل الأول، فكان يأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وقد اشتهر عن الإمام الشافعي أنه كان يقول: كل قول لي رأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه فاضربوا بقولي عرض الحائط، وخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.
واشتهر عنه أيضاً أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
فأي حديث يخالف ما تبناه الشافعي فإن البيهقي يقول: وهو مذهب الشافعي؛ لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
الأصل الثالث: إجماع الأمة؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلال، والإجماع فيه نظر عند الشافعي وعند الإمام أحمد، والشيخ الألباني مجدد السنة في عصرنا ومحدث الديار الشامية عندما قال: إن الذهب المحلق لا يجوز لبسه، فعارضوه بالإجماع، فقال بقول أحمد المشهور الذي استقاه من الشافعي: وما يدريك لعل الناس قد اختلفوا؟! فالإجماع نادر جداً، لكن الإمام الشافعي يقول: إذا وجد أخذنا به، والإجماع عزيز جداً إلا في عصر الصحابة وعصر التابعين، فبعدهم تشعبت السبل وكثر الفقهاء والعلماء فصعب نقل الإجماع.
الأصل الرابع: القياس، والقياس عنده مثل أكل المضطر للميتة، فهو ليس بواسع الخطوة في القياس، والقياس لا يدخل فيه الاستحسان عند الإمام الشافعي، وبعض العلماء يدخل الاستحسان في باب القياس، فـ الشافعي لا يقول بالاستحسان، وهو الاستحسان المطلق، فقد قال الشافعي: من استحسن فقد شرع.
وأيضاً: فالشافعي يقول بقول الصاحب على خلاف في اعتباره من أصول المذهب، والراجح: أن قول الصاحب حجة إن لم يخالفه أحد؛ ولذلك كان يقول الشافعي: هذا إجماع سكوتي.
فهذه أصول مذهب الشافعي، وتظهر قوة هذا المذهب في أصوله.