للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم استعمالها في الطعام والشراب]

الأول: استعمالها في الطعام والشراب، ففي المذهب قولان، ومعنى في المذهب قولان: أنه يوجد قول قديم وقول جديد، وإذا قيل: في المسألة وجهان، فالمعنى: أن كبار الأصحاب يخرجون على قول الشافعي، يعني: ينظرون في أصول الشافعي ويخرجون عليها الوجوه.

إذاً: يوجد قولان في المذهب في حكم استعمال آنية الذهب والفضة في الطعام والشراب: القول الأول: الكراهة، مع أن الشافعي أصل في الرسالة: أن الأصل في النهي التحريم، قالوا: نحن نقول بالكراهة لوجود الصارف الذي صرف النهي من التحريم إلى الكراهة وهو العلة، فإن العلة هي: الترف والخيلاء أو التشبه بالأعاجم، وهذا كلام ليس بوجيه.

القول الثاني في المذهب وهو القول الراجح الذي رجحه المحققون: تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الطعام والشراب، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من الأثر والنظر.

أما من الأثر: ففي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة).

واستدلوا أيضاً بحديث مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)، وهذا وعيد أكيد شديد عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن هذه الفعلة من الكبائر.

ومن النظر قالوا: فيه الترف والخيلاء، وهو محرم عموماً، وفيه كسر قلوب الفقراء أيضاً، وأصول الشريعة تأبى ذلك.

وقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه لا يجوز الأكل أو الشرب في آنية الذهب والفضة، ومن فعل ذلك فهو آثم، وعدوا هذه الفعلة من الكبائر، فالذي يأكل بملعقة من الذهب، أو بملعقة من الفضة، فقد أتى كبيرة، وهذه الكبيرة تسقط بها عدالته، ويفسق بها، واستدلوا على أنها كبيرة: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كأنما يجرجر في بطنه نار جهنم)، ووجه الشاهد: أن هذا الوعيد الشديد بأنه يستحق ناراً تلظى يدل على أنها من الكبائر؛ لأن العلماء ضبطوا الكبائر بضوابط منها: نفي الإيمان أو إثبات العقاب أو النار أو الحد.

وخالف الجماهير أهل الظاهر في حرمة الأكل فيهما، واتفقوا مع الجماهير على حرمة الشراب من آنية الذهب والفضة؛ لأنهم يأخذون بالنصوص فقط، ولم يبلغهم حديث حذيفة الذي فيه: (ولا تأكلوا من صحافها)، فأخذوا بظاهر حديث أم سلمة الذي لم يذكر فيه الأكل، وإنما ذكر فيه الشراب؛ فلذلك قالوا: يجوز الأكل فيهما دون الشراب.

وهم محجوجون بالأثر وبالنظر، أما بالأثر: فحديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تأكلوا من صحافها)، وبالأثر نقول: إذا حرم الشراب فالأكل من باب أولى إلا إذا دل الدليل على التخصيص، فالأكل أشد من الشرب، إلا فيما خصه الدليل كحديث: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يشرب قائماً فقال: أتحب أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: قد شرب معك من هو شر منه الشيطان)، لكن خص الدليل الأكل بجوازه قائماً؛ وذلك أن ابن عمر قال: كنا نأكل ونحن نمشي، وأنس أخذ بالأصل، فعندما سألوه عن الأكل قائماً قال: الطعام أشد منه، فـ أنس أخذ على التأصيل العام، لكن ابن عمر نقل عن الصحابة أنهم كانوا يأكلون وهم يمشون، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>