خالف بذلك الأئمة الثلاثة مالك وأحمد وأبو حنيفة، أما الحنابلة والمالكية: فاتفقوا على أن العظم والعصب نجس، وهذا الاتفاق مع الشافعية واختلفوا معهم في الشعر فقالوا: الشعر طاهر وليس بنجس، واستدلوا على ذلك بأدلة من الأثر والنظر، وقبل أن أدخل في أدلتهم قلنا: أدلة الشافعية على أن النجاسة في الشعر هي قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[المائدة:٣]، ووجه الدلالة: عموم اللفظ، فيشمل العظم والجلد والعصب والشعر.
أما دليلهم من النظر فقالوا: العظم والشعر تحله الحياة، وما تحله الحياة فبموته يصير نجساً؛ لأنه ميتة، وخالف بذلك المالكية والحنابلة، فقالوا نوافق الشافعية على العظم والعصب في أدلتهم جميعاً ونخالفهم في الشعر، واستدلوا على ذلك من الأثر ومن النظر، أما الأثر: فقول الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}[النحل:٨٠]، ووجه الدلالة: أنه أباح لهم الانتفاع بالشعر أن يجعلوه أثاثاً ومتاعاً عند الظعن وعند الإقامة، فلما أباح لهم الانتفاع والتمتع بها دل ذلك على الطهارة؛ لأنه لا يمكن الانتفاع بالنجس، هذا دليل من الكتاب، أما من السنة فحديث أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها الذي في السنن، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تنتفعوا من إهاب الميتة بالدبغ، ومن الشعر بالغسل)، يعني: انتفعوا بإهاب الميتة بعد الدبغ، وانتفعوا بشعر الميتة بعد الغسل، فكما أن الدباغ يطهر الجلد فإن الغسل يطهر الشعر.
والدليل الثالث أيضاً من الأثر:(أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شاة ميتة لـ ميمونة فقال: ألا انتفعتم بإهابها؟ قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: إنما حرم أكلها)، ووجه الدلالة: أنه إنما حرم أكلها، فيدل هذا على حل كل شيء غير الأكل، ويسمى مفهوم المخالفة فهذا من الأثر.
أما من النظر فقالوا: الشعر لا تحله الحياة، واستدلوا على ذلك أنك لو أخذت شعرة صغيرة من ظفائر النساء فشددتها من الوسط فإنها لا تؤثر ولا يتألم المرء بذلك، فهذه دلالة على أنه لا حياة في الشعر، فلا تطبق قاعدة: أن ما حلت فيه الحياة فبالموت يكون نجساً هذا من النظر.