[حكم الانتفاع بالميتة عند الأوزاعي وابن تيمية وأدلتهما]
وقال الأوزاعي: ينتفع بجلد الميتة المأكول لا غير المأكول، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرجح هذا القول، قالوا: دليلنا على التفريق: أثر ونظر، أما الأثر: فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: (أنه مر على شاة ميتة فقال: هلا انتفعتم بها؟) فقالوا: العبرة بخصوص السبب؛ لأنه لما مر مر على شاة وهذه الشاة مأكولة فتبقى على حالها، والشاة الميتة هذه كانت مأكولة، يجوز أكلها بالزكاة فقال: انتفعوا بها؛ لأنه يمكن الانتفاع بها في حال حياتها بالأكل بعد الذبح، فقالوا: هذه خاصة في المأكول، وهذه واقعة حال أو واقعة عين لا يقاس عليها إلا مثلها.
قالوا: والدليل الفاصل لنا أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات: (دباغه ذكاته) يعني: دباغ الجلد ذكاته، قالوا: فنستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الانتفاع بجلد ميتة إلا المأكول.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم:(دباغه ذكاته)، والذكاة لا تكون إلا في المأكول وألحق النبي صلى الله عليه وسلم الدباغ بالذكاة فحكمه حكم الذكاة، يعني لا يكون إلا في المأكول، وهذا وجه الدلالة عندهم، فهذا من الأثر.
أما من النظر: فحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراش جلود النمر)، قالوا: وهذا النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ثمة تفصيل لفصل، فلما قال: أنهاكم عن افتراش جلود النمر، ولم يقل: أنهاكم عن افتراش جلود النمر التي لم تدبغ، فإذا دبغت فافترشوها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل، ولما لم يفصل بقيت على العموم، والعلة هنا: النجاسة، والنجاسة عامة سواء دبغ أم لم يدبغ.
فتبقى هذه الدلالة على أن المأكول يخالف غير المأكول في الحكم.
إذاً: قالوا: عندنا أدلة كثيرة تثبت لنا التفريق بين المأكول وغير المأكول في الأثر وفي النظر، أما في الأثر: فحادثة ميمونة التي كانت في الشاة والشاة مأكولة، فإذاً: المأكول حكمه يخالف حكم غير المأكول، قالوا: والفاصل في النزاع: حديث النبي صلى الله عليه وسلم (دباغه ذكاته) فألحق الدباغ بالذكاة، والذكاة لا تكون إلا في المأكول، فالدباغ حكمه أنه لا يكون إلا في المأكول.
قالوا: ومن النظر: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراش جلود النمر، ولم يفصل سواء كانت مدبوغة أم غير مدبوغة، والعلة في ذلك: النجاسة، فإن دبغت فهي نجسة وإن لم تدبغ فهي نجسة.