محل النية هو القلب، والإمام الماوردي يرى أن محل النية القلب واللسان، فعنده لا يجزئ المرء إلا أن ينوي بالقلب ويتلفظ باللسان، فإذا قام رجل وأراد أن يصلي الظهر، فتوضأ واستقبل القبلة، وقام يصلي، ونيته في قلبه أنه سيصلي الظهر مأموماً، فقال: الله أكبر وصلى أربع ركعات، ففي رأي الإمام الماوردي أن هذه الصلاة لا تجزئ؛ لأنه لم يتلفظ بالنية؛ فهو يرى أن النية حتى تجزئ لابد أن ينوي بالقلب ويتلفظ باللسان، ويمكن أن يستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما لم تعمل أو تتكلم) وهذا الرأي شاذ في المذهب.
والصحيح: أن محل النية في المذهب هو القلب، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى) فالنية محلها القلب؛ لأن النية هي هم القلب أو فعل القلب، والنية عزم، والعزم من أفعال القلوب، وقد قال الله تعالى:{بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[البقرة:٢٢٥] وهذا الكسب هو الذي يؤاخذ عليه المرء.
فالصحيح: أن محل النية هو القلب، لكن المذهب يستحب التلفظ بالنية، فمن قام ليتوضأ فأخذ السواك، فتسوك وسمى الله ثم قال: نويت أن أتوضأ رفعاً للحدث، أو نويت أن أتوضأ لصلاة الظهر، قالوا: يستحب له ذلك، وإذا قام يصلي المغرب ثم قال: نويت أن أصلي المغرب ثلاث ركعات وكبر، فهذا مستحب في المذهب، ونسبوا ذلك للإمام الشافعي؛ لأنه لما سئل كيف يبدأ المرء الصلاة؟ قال: بالذكر.
فأولوا الذكر بالتلفظ بالنية.
والصحيح الراجح في ذلك: أننا ندور مع شرعنا حيث دار، وأنه ليس ثم دليل على التلفظ بالنية، وأما توجيه كلام الشافعي أن الصلاة يبدأ فيها بالذكر، فإنه يعني: تكبيرة الإحرام، وليس التلفظ بالنية، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر الصحابة والهمة متوافرة متظافرة، والصحابة ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما من شاردة ولا واردة ولا شاذة ولا فاذة يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم نوماً أو استيقاظاً إلا نقلوها لنا، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تلفظ بالنية وقت الصلاة لنقلوه لنا، ولو كان خيراً لفعله أبو بكر، ولو كان خيراً لفعله عمر، ولو كان خيراً لفعله عثمان، فلو كان خيراً لسبقونا إليه.
فلما لم ينقل ذلك لنا من فعل الصحابة، أو بالأحرى من فعل النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: ليس بسنة وليس بمستحب، والصحيح: أن النية محلها القلب، ولا يتلفظ بها.