[خروج المذي والودي والمني]
ومن الخارج من السبيلين أيضاً: المذي والمني، وهو: سائل أبيض ليس برقيق، ولا يتدفق، وهذا هو الفرق بينه وبين المني، فهو لا يتدفق لكن تلزمه الشهوة يعني: يخرج مع الشهوة، إما بالتفكير في الجماع، أو الملاطفة والمداعبة.
ولنا في المذي أمران: الأمر الأول: غسل المحل، بل وغسل الثوب الذي يصيبه المذي؛ لأن المذي نجس، والدلالة على نجاسته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاستنجاء منه، بل أمر بغسله وغسل الموضع الذي يصيبه المذي.
والأمر الثاني: أنه يستلزم الوضوء؛ لأنه ناقض للوضوء، قال علي بن أبي طالب كما في الصحيح: (كنت رجلاً مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت المقداد فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد الوضوء)، وفي رواية قال: (اغسل ذكرك وتوضأ).
في الرواية الثالثة: (اغسل ذكرك ومذاكيرك وتوضأ)، وفي رواية رابعة قال: (انضح فرجك)، أما النضح فلابد جمعاً بين الأدلة: أن يحمل على الغسل، أو الغسل بشدة في المياه؛ لأن هذه نجاسة لا تزول إلا بالمياه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسل ذكرك ومذاكيرك)، حمله الحنابلة على وجوب غسل الخصيتين، والصحيح الراجح أنه لا يغسل إلا الموضع الذي أصابه المذي، كما في الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسل ذكرك وتوضأ)، وقال ابن مسعود: (يغسل ذكره ويتوضأ).
ومما يخرج من السبيلين وهو ناقض أيضاً: الودي، والودي: سائل لا يخرج بشهوة لكنه يخرج عقب البول، وهو نجس أيضاً ومنه الوضوء، والدلالة على ذلك ما رواه البيهقي في السنن عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: (سئل عن الودي فقال: منه الوضوء).
ووجه الدلالة من هذا الأثر على وجوب الوضوء من خروج الودي: أنه قول لصحابيين ولم نجد لهما مخالفاً، فلذلك نقول: هذه الحجة، بل يمكن أن نرتقي ونقول: هذا يعتبر من الإجماع، فالسكوت من الإجماع.
وأيضاً من النظر في المذهب: أن هذا قد خرج من السبيلين، وكل خارج من السبيلين فمنه الوضوء، وهذا على الغالب، وليس على النادر مثل الحصى، أو البول، ومثلوا له مثلاً إذا أدخل شيئاً في الإحليل أو أدخل في دبره شيئاً وأخرجه فهذا يعتبر ناقضاً للوضوء.
فكل ما دخل وخرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواء كان نادراً أم كان غالباً، ومن ذلك: الدم، فإنه إذا خرج من الدبر فهو ناقض للوضوء وإذا خرج من غير الدبر فلا ينقض الوضوء، ومثلوا لذلك بالفرق بين الناسور والباسور: على أن الناسور يكون من داخل الدبر، فالدماء التي تخرج من السبيل هي التي تنقض الوضوء، وأما الباسور فهو من خارج الدبر فإذا خرج الدم منه فلا ينقض الوضوء؛ لأنه لم يخرج من السبيل.
والدم كما قلت: إذا خرج من الأنف أو الفم أو اللثة أو الشفة أو الأذن فلا ينقض الوضوء، وأما عند الحنابلة فإنه ينقض الوضوء.