الفرض الأخير في الوضوء: الترتيب، ومعنى الترتيب: أن تتوضأ وتبدأ بما بدأ الله به، وتنتهي بما انتهى به، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة:٦] وهذا ترتيب رتبه الله جل في علاه، وهذا الترتيب رتبه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله.
والدلالة على أن الترتيب فرض أدلة ثلاثة: الدليل الأول: ديمومة فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أحد وصف لنا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم إلا وذكر في وصفه أنه غسل يديه ثم مضمض واستنشق ثم غسل الوجه ثم غسل اليدين، ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين، فديمومة فعل النبي صلى الله عليه وسلم تدل على الوجوب.
فإن قال قائل: الأصل في الفعل الاستحباب، ف
الجواب
أن القاعدة أن بيان الواجب واجب، فالنبي يبين لنا أمر الله جل في علاه، في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة:٦]، والنبي صلى الله عليه وسلم يترجم لنا هذه الأوامر فعلاً، والاستدلال بالفعل هنا بقرينة أنه بيان للواجب، ولم نستدل بأصل الفعل، بل استدللنا بأن هذا الفعل بيان لأمر من أوامر الله، والأمر واجب وبيان الواجب واجب.
الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم في النسك عندما صعد على الصفا وقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة:١٥٨] قال: (أبدأ بما بدأ الله به)، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والله بدأ بغسل اليد وانتهى بالرجل، فنبدأ بما بدأ الله به.
الدليل الثالث: أن الله جل في علاه أدخل ممسوحاً بين مغسولين، وفي لغة العرب أن هذا لا يمكن أن يأتي إلا لأمر مهم، والأمر المهم هنا هو الترتيب، فالرأس ممسوح ذكر بين مغسولين وهما اليد والرجل، وهذه دلالة واضحة جداً على أن الترتيب فرض من فروض الوضوء.