[الرد على ابن تيمية والأوزاعي]
الرد على قول شيخ الإسلام ابن تيمية سيكون من الأثر، إذ أن الرد عليه بالنظر صعب، وسنبين ذلك.
الرد عليهم من الأثر: أما قولكم بأن مرور النبي صلى الله عليه وسلم كان على شاة والشاة مذكاة فنقول: القاعدة التي نتفق عليها هي: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولو كان السبب الشاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عمم وقال: (أيما إهاب) سواء ميتة مأكول أو ميتة غير مأكول، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا رد قاطع.
أما الدليل الذي استدل به وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (دباغه ذكاته) قلنا: نحن نوافقكم على هذا اللفظ، فدباغه ذكاته ولا نوافقكم على الإلحاق بل نقول: إن الإلحاق هنا إلحاق الانتفاع لا إلحاق الحكم، ومعنى الحديث أي: كما أنكم تنتفعون بالشاة في ذكاتها -وهذه الشاة كانت حية، فهذه الشاة إن ماتت فلكم أن تنتفعوا أيضاً بجلدها بالدباغ، فهنا الحكم حكم الانتفاع لا حكم الإلحاق بالتفريق بين المأكول وغير المأكول.
فالإلحاق هنا إلحاق في الانتفاع فقط، يعني: يجوز أن تنتفعوا بالشاة الميتة بالدباغ كما كان يجوز لكم أن تنتفعوا بالشاة الحية بالذكاة، وليس ثم قرب ولا بعد من المأكول ولا غير المأكول، فالكلام كله على الانتفاع، والدليل على أن الحديث يدور على الانتفاع فقط هو: السياق.
فالقاعدة تقول: السياق والسباق من المفسرات والموضحات والمقيدات، ففي حديث ابن عباس قال لهم: (هلا انتفعتم) فالكلام كله على الانتفاع، فقلنا له: المسألة كانت تدور على الانتفاع، وعليه فقوله: (فدباغه ذكاته) يعني: إذا انتفعتم بالذكاة فلكم أن تنتفعوا بالدباغ.
أما الرد على النظر، فإنهم قالوا: تتفقون معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش جلود النمر، والعلة عندنا النجاسة، فنقول: أنتم الآن قلتم بأن العلة في النهي عن افتراش النمر هي النجاسة ولا نوافقكم على المقدمة، بل نقول: النهي لأمر آخر وليس للنجاسة، فالنهي لم يتعرض للنجاسة، بل النهي لأمر آخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أيضاً عن افتراش سجاد الحرير لا للنجاسة وإنما للمفاخرة والمباهاة.
فنحن نقول: إن افتراش جلود النمر نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من أجل المفاخرة والمباهاة وليس من أجل النجاسة، وما دامت المقدمة خاطئة، فالنتيجة خاطئة.
نخلص من ذلك على أن الميتة لا ينتفع بها بأكل ولا شرب ولا أي شيء إلا الجلد، فيمكن أن ينتفع بجلد البقر وجلد الشاة وجلد الأسد، وذلك بأن يدبغ فيطهر فينتفع به في صلاة عليه أو سقاية، يعني: تكون قربة نشرب منها، أو بيعاً أو شراءً لتجارة الجلود، وهذا الحكم في المأكول وفي غير المأكول إلا الكلب والخنزير.
وهناك مسألة خلافية بين العلماء وهي: هل يؤكل الجلد بعد دبغه أم لا يؤكل؟ ففي المسألة خلاف عريض بين الشافعية أنفسهم على هذا الحكم.
ولو اعترض معترض على ردنا على ابن تيمية وقال: لماذا منعنا من افتراش جلد الكلب؟ قلنا: لأنه نجس، ولكن ليس هناك دليل على أن الأسد والنمر نجس، فلعاب الأسد طاهر، وهذه مسألة خلافية جداً، أعني: آثار البهائم، وهل هي طاهرة أم نجسة؟ والصحيح الذي أدين الله به كما يدين به الشافعية: أن آثار البهائم كلها طاهرة إلا ما دل الدليل على نجاسته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.