[حكم الوضوء مع وجود النجاسة]
قال المؤلف رحمه الله: فصل في الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة: الاستنجاء واجب من البول والغائط، والأفضل أن يستنجي بالأحجار ثم يتبعها بالماء، ويجوز أن يقتصر على الماء أو على ثلاثة أحجار ينقي بهن المحل، فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل.
ويجتنب استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء، ويجتنب البول والغائط في الماء الراكد وتحت الشجرة المثمرة وفي الطريق والظل والثقب، ولا يتكلم على البول والغائط، ولا يستقبل الشمس والقمر ولا يستدبرهما].
أتى المصنف بباب جديد، وهو باب الاستطابة أو الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة، وهذا أمر محير؛ لأنه كان الأولى بالترتيب أن يبدأ بالاستطابة أو الاستنجاء ثم يأتي بالوضوء، لكنه لما تكلم عن الاستنجاء بعد الوضوء كأنه يشير لنا إشارة مهمة جداً ألا وهي أن الاستنجاء أو الاستطابة ليست شرطاً في صحة الوضوء.
يعني: يصح الوضوء مع وجود النجاسة على الجسد أو على العموم، وهذه إشارة من المصنف، وكأنه يقول: ولو توضأ قبل أن يستنجي بالأحجار أو بالماء صح وضوءه، لكن إذا أراد أن يصلي لا تصح الصلاة بحال النجاسة ولكن له أن يستنجي بعد الوضوء دون أن يمس الذكر ودون أن يمس الفرج حتى لا ينتقض الوضوء بعد ذلك.
والصحيح أن في المذهب أخباراً ثلاثة في مسألة صحة الوضوء مع وجود النجاسة أي: قبل الاستنجاء: القول الأول: يصح الوضوء والتيمم مع وجود النجاسة، والقول الثاني في المذهب: لا يصح الوضوء ولا التيمم مع وجود النجاسة، ومن ثم فلازم هذا القول: أن الاستنجاء شرط في صحة الوضوء.
الثالث: يصح الوضوء مع وجود النجاسة ولا يصح التيمم، أما وجهة نظر القول الثالث فهو: أن التيمم ليس برافع للحدث، أما الوضوء فهو رافع للحدث.
وقالوا: التيمم مبيح، فإذاً لا يصح مع وجود النجاسة؛ ولذلك هم يقولون: صاحب الأعذار غير متوضئ، والله جل وعلا يسر عليه العبادة فقط بأن تستباح له الصلاة؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦].
والصحيح الراجح من هذه الأقوال الثلاثة هو القول الأخير، فهذه أول إشارة من إشارات المصنف أنه أتى بهذا الباب بعد الوضوء، وكأنه يقول: يصح الوضوء وإن لم يستنج، لكن إذا أراد أن يصلي فلابد أن يستنجي على الراجح من كلام العلماء في مسألة حمل النجاسة في الصلاة.
والاستنجاء، والاستطابة، والاستجمار، بمعنى واحد فهن مترادفات.
فالاستطابة: طلب الطيب، وكأن الإنسان يطيب نفسه بإزالة النجس منه، وأيضاً الاستنجاء: طلب النجاة، وكأن الإنسان ينجي نفسه من هذه القاذورات، والاستجمار: نفس الأمر باستخدام الحجارة.
لكن الاستطابة والاستنجاء تطلق على الماء والحجارة، وأما الاستجمار فهو خاص بالحجارة.