ثلاثين وأربعمائة، فإنه أعمل فكره في تصحيح الإخفاء وتقريره والقراءة والإقراء به، وروى خلف عن سليم عن حمزة أنه كان يجهر بالتعوذ في أول الفاتحة ويخفيه في سائر القرآن. وروى خلاد عن سليم أن حمزة كان يخير القارئ بين الجهر والإخفاء في التعوذ. وروى المسيبي عن نافع أنه كان يخفي التعوذ في جميع القرآن. وعلى هذا يكون قول الناظم: وإخفاؤه فصل، في قوة الاستثناء من عموم قوله: فاستعذ جهارا من الشيطان بالله مسجلا؛ فإنه بعمومه يدل على الأمر بالتعوذ جهارا في جميع الأوقات، وفي سائر القرآن، ولجميع القراء. ولكن الصحيح:
أن لا رمز في البيت، وأن قوله: فصل: معناه: فرق، وأنه بيان لحكمة إخفاء التعوذ، وهو الفرق بين القرآن وغيره، أو معناه: أن إخفاء التعوذ حكم من أحكامه. وكيفية من كيفياته، فكأنه قال: إخفاء التعوذ فرق بين القرآن وغيره، أو كيفية من كيفياته، ردّه- أي الإخفاء- علماؤنا الحفاظ الأثبات ولم يأخذوا به، بل أخذوا بالجهر به في جميع القرآن، ولكل القراء، كما أفاد ذلك عموم قوله: فاستعذ جهارا من الشيطان بالله مسجلا؛ ذلك أن الجهر بالتعوذ إظهار لشعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد. ومن فوائد الجهر به: أن السامع للقراءة يتمكن من الإصغاء لها من أولها، فلا يفوته شيء منها، وإذا أخفى القارئ التعوذ فلا يعلم السامع للقراءة إلا بعد أن يفوته شيء منها. وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة في الصلاة وخارجها فإن المستحب للقارئ في الصلاة إخفاء التعوذ وإن كان إماما وفي صلاة جهرية؛ لأن المأموم منصت في الصلاة من أول الإحرام فلا يفوته شيء من قراءة إمامه.
وفصل الخطاب في هذا المقام أن يقال: إن التعوذ يستحب إخفاؤه في مواطن، والجهر به في مواطن أخرى، فمواطن الإخفاء:
(١) إذا كان القارئ يقرأ سرّا، سواء كان منفردا أم في مجلس.
(٢) إذا كان خاليا سواء قرأ سرّا أم جهرا.
(٣) إذا كان في الصلاة، سواء كانت الصلاة سرية أم جهرية، وسواء كان منفردا أم
مأموما أو إماما.
(٤) إذا كان يقرأ وسط جماعة يتدارسون القرآن، كأن يكون في مقرأة ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة، وما عدا هذه المواطن يستحب الجهر بالتعوذ فيها.