للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقال في المثل: حسب الحليم أنّ الناس أنصاره.

وقال أميرالمؤمنين علي عليه السلام: ربّ كلمة يخترعها حليم مخافة ما هو شرّ منها، وكفى بالحلم ناصراً.

وقال عليه السلام: لِن واحلم تُنْبل، ولا تعجب فتُمقَت وتُمتَهَن.

وقيل: من مناقب المرء الحلم من غير ضعف، والجود بغير طلب ثواب الدنيا.

وقال بعض الحكماء: من اتّخذ الحلم لجاماً إتّخذه النّاس إماماً، ومن لم يكن حليماً لم يزل سقيماً.

وقيل لمعاوية: من أصبر الناس؟ قال: أردّهم لجهله بحلمه.

وكان يقال: دلّ على عقل المرء إختياره.

قال بعض الشعراء:

قد عرفناك باختيارك إذ كا ... ن دليلاً على اللبيب اختياره

وقال علي عليه السلام: العقل إصابة الظنّ ومعرفة ما لم يكن بما كان.

وقال عليه السلام: ذمّ العقلاء أشدّ من عقوبة السلطان.

وقال عليه السلام: من زاد عقله نقص حظّه، وما جعل الله لأحد عقلاً وافراً إلاّ احتُسِبَ به من زرقه.

وقال عليه السلام: الروح حياة البدن، والعقل حياة الروح.

وقال عليه السلام: ليس شيء أحسن من عقل زانه علم، ومن علم زانه حلم، ومن حلم زانه صدق، ومن صدق زانه رفق، ومن رفق زانه تقوى، إنّ ملاك العقل ومكارم الأخلاق صون العرض والجزاء بالقرض والأخذ بالفضل والوفاء بالعهد والإنجاز للوعد، ومن حاول أمراً بالمعصية كان أقرب إلى ما يخاف وأبعد ممّا يرجو.

ويقال: العقل منهاة فمن لم تنه تجاربه عدّ من البهائم.

وقال الثعالبي: العقل أحسن معقل.

وقال: العاقل من يروى له ثمّ يروي، ويُخْبَر ثمّ يخبِر، ويُشاهد ثمّ يشهد، ويعلم ثمّ يعمل.

وقال أيضاً: العاقل من يستدلّ بأسارير الوجوه على أسرار القلوب.

وقال: العاقل من يرى بأوّل رأيه أواخر الاُمور، ويهتك عن أسبابها ظلم الستور.

وقال: العاقل من يشتهي فينتهي، ويبصر فيقصر.

ومن جيد الشعر في هذا الفصل قول بعضهم:

الحلم يعقب راحةً ومحبّةً ... والصفح عن ذنب المسيء جميل

وقال الآخر:

من خير ما رُزِق العباد وأُلهموا ... علم يُعاشُ به وحلم راجح

وقول الرضي:

وأحلم خلق الله حتّى إذا دنا ... إليها الأذى طارت بها جهلاتها

ينظر فيه إلى قول النابغة الجعدي:

ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

وهذا هو الغاية في بابه. ومن جيد ما قيل في الحلم والوقال قول ابن دريد في مقصورته:

يعتصم الحلم بجنبي حبوتي ... إذا رياح الطيش طارت بالحبى

وقول البحتري:

ووقور تحت السكينة ما ير ... فع من طرفه ضجاج الخصوم

وقول المتنبي:

وبقايا وقاره عاقت الناس ... فكانت ركانةً في الجبال

[فصل في تجاربه وذكائه]

أقول: إنّه هو الذي سبر غور الأيّام بتجاربه، واستشف له النظر فيها أستار عواقبها، ولو تقدّم في الأعصر الأوّل لضرب بذكائه المثل، ورآه الناس أذكى من أياس.

حازم يسلس من بعد الشماس ... كلّ أمر راضه صعب المراس

ذو ذكاء لو أياس رامه ... لدعاه الفخر عد عنه بياس

قتل الأيّام خبراً وله ... قبس التجريب أسنى الإقتباس

لو سيوفاً طبعت آرائه ... لبرت ما أدركت حتّى الرواسي

قال علي عليه السلام: العقل غريزة تربّيها التجارب.

وقال عليه السلام: عليك بمجالسة أصحاب التجارب فإنّها تقوم عليهم بأغلا الغلا، وتأخذها منهم بأرخص الرخص.

وقال عليه السلام: في التجارب علم مستأنف، والإعتبار يفيدك الرشاد، وكفاك أدباً لنفسك ما كرهته لغيرك، وعليك لأخيك مثل الذي عليه لك.

أقول: وبهذا يعلم أنّ العقل نوعان: غريزة ومكتسب بالتجارب، كما أشار إليه أميرالمؤمنين عليه السلام، ولم يحكم الأمور محكم كالتجربة.

وقيل: التجارب لا غاية لها.

والذكاء حدّة الفؤاد.

قال علي عليه السلام: ذكّ قلبك بالأدب كما تذكّي النّار الحطب.

والحزم ضبط الرّجل أمره وأخذه بالثقة.

قال علي عليه السلام: أحزم الناس من ملك جدّه هزله، وقهر رأيه هواه، وأعرب عن ضميره فعله، ولم يختدعه رضاه عن حظّه ولا غضبه عن كيده.

وقال عليه السلام: الرأي يريك غاية الاُمور مبدؤه.

<<  <   >  >>