ووجهها الشمس فما برقعها ... يحجبه إذا عليه انسدلا
إلى أن يقول:
نعمت بالأنعم في وصالها ... بروضة فيها السرور اكتملا
كما بعرس كاظم على الورى ... وجه الزمان بالمسرّات انجلى
وطائر السعد بسجعه على ... بيوت آل المكرمات هلهلا
والشرف الوضّاح ناري جذلا ... مبشّراً بالكرخ أبناء العلى
زفّت إلى علاكم كريمة ... من بيت مجد بالعلى تأثّلا
تنمى لأعلا الماجدين من غدت ... عزّته للخائفين معقلا
جاء كريماً في زمان أهله ... جليلهم يرضع فيه البخلا
في فترة من الندى كأنّما ... جاء به إلى الأنام مرسلا
حيث على الفلس يرى منها الفتى ... بهدب جفنيه يخيط المقلا
لا بل من الحرص يودُّ بدل ... المخّ عليه الرأس كان مقفلا
فقام فيهم شارعا لجوده ... شرائعاً للنّاس أضحت منهلا
ونطقت آيات جدوى كفّه ... بمعجز النوال مابين الملا
له مزايا ليس تحصى غير أن ... كلٌّ غدا بين الأنام مثلا
يا صفوة المجد الأثيل هاكموا ... عقد نظام فيكم تفصّلا
قد نظمته بنت فكر لبست ... من وشيها للتهنيات حللا
ويمّمت ربعكم فغودت ... عليكم في الأنديات تجتلى
[الباب الرابع والعشرون في قافية الميم]
[وفيها أربع فصول]
الفصل الأوّل في المديح
قلت في مدحه:
قل لامّ العلى ولدت كريماً ... رقَّ خلقاً وراق خلقاً وسيما
بدر مجد مدحته فكأنّي ... من مساعيه قدنظمت نجوما
ملك تلمح النواظر منه ... ملكا في سما المعالي كريما
مجده في ارتفاعه ثامن الأف ... لاك من فوقها أطلَّ قديما
وإذا ما رأيت دار أبي الهادي ... ومعروفها رأيت نعيما
إن رحلت ارتحل لربع نداه ... وأقم فيه إن ترد أن تقيما
فهو الجنّة التي استعذب النا ... س جميعاً رحيقها المختوما
سبر الدهر بالتجارب حتّى ... بالنهى والفخار صار زعيما
واستهلّت كلتا يديه إلى أن ... لم يدع في بني الزمان عديما
فبه ينزل الرجا وإليه ... كلّ ركب سرى ينصُّ الرسيما
هو من أيكة على أوّل الدهر ... زكت في ثرى المعالي أروما
أثمرت سؤدداً وفخراً وعزّاً ... ونمتها غطارفاً وقروما
وقد اشتمل قولي:
وإذا ما رأيت ثمّ مغانيه ... ومعروفها رأيت نعيما
على الإقتباس وهو على رأي بعضهم لا يكون إلاّ من الكتاب، وعلى رأي الآخرين أنّه لا يكون إلاّ من القرآن أو من الحديث. قال من لا يرى الإقتباس إلاّ من القرآن هو أن يضمن المتكلّم كلامه كلمة أو آية من الكتاب العزيز خاصّة، وهو على ثلاثة أقسام: محمود مقبول، ومباح مبذول، ومردود مرذول؛ فالأوّل ما كان في الخطب والعهود في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والثاني: ما كان في الغزل والصفات والرسائل ونحوها، والثاث على ضربين: أحدهما تضمين ما نسبه الله عزّوجلّ إلى نفسه، كما قيل عن أحد بني مروان أنّه وقّع على مطالبة فيها شكاية من عمّاله: (إنَّ إلَيْنا إيابَهُمْ، ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) والآخر تضمين آية كريمة في معرض هزل وسخف، كقول بعضهم:
قالت وقد أعرضت عن غشيانها ... يا جاهلاً في حمقه يتباها
إن كان لا يرضيك قبلي قبلةً ... لأولينّك قبلةً ترضاها
والأحسن في الإقتباس من القرآن نقله عن معناه كما قال ابن الرومي:
لئن أخطأت في مدحك ... ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع
فقوله: بواد غير ذي زرع معناه في القرآن واد لا ماء فيه، ونقله إلى جناب لا خير فيه ولا نفع. ومثله قول الخبّاز البلدي:
ألا إنّ إخواني الذين عهدتهم ... أفاعي رمال لا تقصّر في اللسع
ظننت بهم خيراً فلمّا بلوتهم ... نزلت بواد منهم غير ذي زرع
وقال آخر في هجاء بعضهم:
جميع ما يفعله كلفة ... إلاّ أذاه فهو بالطبع
من حلَّ منّا بفناء له ... حلّ بواد غير ذي زرع
وقال الأخوص في الإقتباس:
إذا رمت عنها سلوةً قال شافع ... من الحب ميعاد السلوّ المقابر