أمّا المقدّمة ففي ترجمة من كان لأجله تنميق الكتاب وذكر أشياء تناسبها وفيها فصول وقد ألزمت نفسي أن أنظم في كلّ فصل ما يناسبه.
[فصل في نسبه وحسبه وأصله وشرف بيته]
أقول: أمّا نسبه فهو القمر الطالع بأعلا آفاق العراق، محمّد الملقّب بالحسن، المكنّى بأبي الهادي بن محمّد، الملقّب بصالح الزمن بن المصطفى للكرم، وأتقى من عرف واستلم.
نسب أناف على الأنام به ... شرفاً فطال به على قصره
هو عقد فضل لم تزل أبداً ... تتزيّن العلياء في درره
ذكرت بقولي على قصره قول أبي العلا المعرّي في تعزية الشريفين المرتضى وأخيه الرضي:
أنتم ذووا النسب القصير فطولكم ... باد على الكبرآء والأشراف
والراح إن قيل ابنة العنب اكتفت ... باب من الأسماء والأوصاف
يريد: أنتم في النسب لا تحتاجون إلى تعدّد آباء كثيرة، بل يكفيكم ذكر أب واحد، لأنّ آبائكم كلّهم كبراء كالراح إذا قيل ابنة العنب كفاها هذا النسب عن ذكر أوصاف زائدة على هذه النسبة.
وأسماء تكسبها شرفاً، وهذا من أجود التمثيل وأحسنه، لأنّ الرجل إذا كان شريفاً وذكر أباه وعرف به قصر نسبه، وإذا لم يكن شريفاً افتقر إلى أن يذكر آباءً كثيرة حتّى يصل إلى أب شريف يعرف به، وما أحسن قول أبي المناقب وهو يماثل قول المعرّي هذا:
لا تمتدحه بآباء له كرموا ... وأحرزوا الأمد الأقصى أباً فأبا
فالراح قد أكثر المدآح وصفهم ... لها ولم يذكروا في وصفها عنبا
وحكى الفرزدق قال: خرجت من البصرة أُريد العمرة، فرأيت عسكراً في البرية، فقلت: عسكر من هذا؟ فقيل: عسكر الحسين بن علي، فقلت: لأقضينّ حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته وسلّمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: الفرزدق بن غالب، فقال: هذا نسب قصير، قلت: أنت أقصر منّى نسباً، أنت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال رؤبة العجاج:
قد رفع العجاج ذكري فادعني ... باسمي إذا الأسماء طالت تكفّني
ويقال: إنّه دخل رؤبة على دغفل النسابة، فقال له: من أنت؟ قال: ابن العجاج، فقال دغفل: قصرّت وعرّفت.
وقال الجمحي وقد أتاه بعض الناس يستشيره في امرأة أراد التزويج بها: أقصيرة هي أم غير قصيرة؟ فلم يفهم ذلك، فقال الجمحي: أردت القصيرة النسب تعرف بأبيها أو جدّها، وعلى هذا قول بعضهم:
أحبّ من النسوان كلّ قصيرة ... لها نسب في الصّالحين قصير
قوله: كلّ قصيرة، أراد المقصورة في البيت لا تترك أن تخرج منه.
ولطيف في ذلك قول ذي الرمة:
وأنت التي حبّبت كلّ قصيرة ... إليّ وما تدري بذاك القصائر
عنيت قصيرات الجمال ولم أرد ... قصار الخطا شرّ النساء البحاتر
ولنذكر هنا نبذاً ظريفة وجملاً طريفة في الأسماء والكُنى والألقاب من حديث عليّ عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا سمّيتم الولد محمّداً فأكرموه، وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبحوا له وجهاً.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم عليها من اسمه محمّد أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلاّ خيّر لهم، وما من مائدة وضعت وحضر عليها من اسمه محمّد أو أحمد إلاّ وقدّس ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين.
وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما من بيت فيه أحد اسمه محمّد إلاّ وسّع الله عليه الرزق، فإذا سمّيتموه فلا تضربوه ولا تشتموه، ومن ولد له ثلاثة ذكور ولم يسمّ أحدهم محمّداً أو أحمد فقد جفاني.
وفي شرح النهج لابن أبي الحديد: جاء في الحديث: تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحبّ الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرّة.
وكان سعيد بن المسيّب بن حزن المخزومي أتى جدّه رسول الله فقال له: من أنت؟ قال: حزن، فأراد النبي تغيير اسمه، فقال: لا بل أنت سهل. فقال: لا بل أنا حزن، عاوده فيها ثلاثاً، ثمّ قال: لا أحبّ هذا، الإسم السهل يوطىء ويمتهن، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: فأنت حزن. فكان سعيد يقول: ما زلت أعرف تلك الحزونة فينا.