لقد قلّبن أيدي الشوق منّي ... صريعاً بين ألحاظ الظباء
فكم منها لهوت بذات خدر ... يجول بخدّها ماء الحياء
بمسبلة المساء على صباح ... ومطلعة الصباح من المساء
هظيم الكشح مرهفة التثني ... كسول المشي لاعبة العشاء
[الباب الثاني في قافية الباء]
[وفيها فصول]
الفصل الأوّل في المديح
قلت فيه هذه المقطوعة:
قفا حييا بالكرخ عنّي ربيبها ... فياطيب ريّاه الغداة وطيبها
تفيّأ من تلك المقاصير ظلّها ... فعطّر فيهنّ الصبا وجنوبها
غزالٌ ولكن في الرصافة ناشىءٌ ... وهل تألَف الغزلان إلاّ كثيبها
فوالله ما أدري أزرَّ جيوبه ... على الشمس أم زرّت عليه جيوبها
تعشّقته نشوان من خمرة الصبا ... منعم أطراف البنان خضيبها
لو أنّ النصارى عاينت نار خدّه ... إذاً أوقدت ناقوسها وصليبها
يرشفينها ريقةً عنبيّةً ... كخلق أبي الهادي روت عنه طيبها
فتىً كلّ فخر إن نظرنا قداحه ... وجدنا معلاّها له ورقيبها
تراه الورى في المحل فرّاج خطبها ... ندىً ولدى فصل الخطاب خطيبها
إلى الحسن اجتبنا الفلا بنزائع ... خفاف سيثقلن الحقائب نيبها
حلفت بأيديها لسوف أزيرها ... على الكرخ وضّاح العشايا طروبها
إذا ما طرحتُ الرّحل عنها بربعه ... غفرت لأيّام الزمان ذنوبها
أقول: الكرخ: محلّة من محال بغداد، وبغداد تسمّى الزوراء، قيل: سمّيت بذلك لانحراف قبلتها، وتسمّى مدينة السلام، ويقال: إنّ السلام إسم الدجلة، وهي بلدة أحدثها المنصور سنة أربعين ومائة، ونزلها سنة ست وأربعين، وفي سنة تسع وأربعين تمّ بناؤها، وهي بغداد القديمة التي بالجانب الغربي على دجلة، وهي بين دجلة والفرات، وبغداد الثانية؛ وهي الجديدة، التي في جانب الشرقي، وفيها دور الخلفاء، وهي عبارة عن سبع محال لا تفتقر محلة منها إلى غيرها على شاطىء دجلة، فالذي في الجانب الشرقي الرصافة؛ بناها المنصور حين ضاقت بالرعية والجند سنة إحدى وخمسين وهي مدينة مسوّرة. الثانية: مدفن أبي حنيفة مسوّرة. والثالثة: جامع السلطان غير مسوّرة. والرابعة: مدينة المنصور في الجانب الغربي وتُسمّى باب البصرة، وكان بها ثلاثون ألف مسجد وخمسة آلاف حمّام. والخامسة: مشهد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام مسوّرة. والسادسة: الكرخ مسوّرة. والسابعة: دارالقز مسوّرة.
ويقال: إنّ المنصور سمّي بالدوانيقي لأنّه كان يحاسب العملة على الدانق لبخله.
والنصارى أُمّة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.
قال في كتاب الملل والنحل: أنّه أوحي إليه إبلاغاً عند الثلاثين، وكانت مدّة دعوته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيّام، فلمّا رفع إلى السماء اختلف فيه الحواريون وغيرهم، واختلافاتهم فيه تعود إلى أمرين: أحدهما: كيفيّة نزوله واتّصاله بأُمّه وتجسّد الكلمة.
والثاني: كيفيّة صعوده واتّصاله بالملائكة توحّد الكلمة.
أمّا الأوّل فمنهم من قال أشرق على الجسد إشراق النور على الجسم المشف، ومنهم من قال ظهر به ظهور الروحاني بالجسماني، ومنهم من قال تدرّع اللاهوت بالناسوت، ومنهم من قال مازجت الكلمة جسد المسيح ممازجة اللبن الماء. وأثبتوا لله ثلاثة أقانيم، قالوا: الباري تعالى جوهر واحد يعنون به القائم بالنفس لا التحيز والحجمية فهو واحد بالجوهر ثلاثة بالأقنومية، ويعنون بالأقانيم الصفات كالوجود والحياة والإبن وروح القدس، وإنّما تدرّع وتجسّد دون سائر الأقانيم. وقالوا في الصعود أنّه قتل وصلب، قتله اليهود حسداً وبغياً وإنكاراً لنبوّته ودرجته، ولكنّ القتل ما ورد على الجزء اللاهوتي وإنّما ورد على الجزء الناسوتي كما قالوا. وكمال الشخص ثلاثة أشياء: نبوّة وإمامة ومملكة، وغيره من الأنبياء موصوفين بهذه الخصال الثلاث أو بعضها والمسيح درجته فوق ذلك، لأنّه الابن الوحيد فلا نظير له ولا قياس له إلى غيره من الأنبياء، وهو الذي غفرت به زلّة آدم عليه السلام، وهو الذي يحاسب الخلق.