أخبرني فضل الشباب وماذا ... فيه من منظر يروق وطيب
غدره بالخليل أم حبّة للغي ... أم كونه كعيش الأديب
وبديع قول حسن بن النقيب في التأسّف على فقدان المشيب لا على أخلاق رداء الشباب القشيب:
لا تأسفنّ على الشباب وفقده ... فعلى المشيب وفقده يتأسّف
هذاك يخلفه سواه إذ انقضى ... ومضى وهذا إن مضى لا يخلف
وأمّا قولي في هذه المقطوعة:
هيفاء لو برزت لنسّاك الورى ... يوماً لأصبى دلّها وعاضها
فنظير قول ابن دريد في مقصورته حيث يقول:
ولاعبتني غادة وهنانة ... تضني وفي ترشافها برؤ الضنا
لو ناجت الأعصم لانحطَّ لها ... طوع القياد من شماريخ الذرى
أو صابت القانت في مخلولق ... مستصعب المسلك وعر المرتقى
ألهاه عن تسبيحه ودينه ... تأنيسها حتّى تراه قد صبا
كأنّما الصهباء مقطوب بها ... ماء جنى ورد إذا الليل غشا
يمتاحه راشف برد ريقها ... بين بياض الثغر منها واللما
ومنها:
يا هؤلاء هل نشدتنّ لنا ... ثاقبة البرقع عن عيني طلا
ما أنصفت أُمّ الصبيين التي ... أصبت أخا الحلم ولمّا يصطبى
وأمّا قولي فيها:
ريم لئالي نحرها تحكي لئا ... لىء ثغرها اللائي حكت ألفاظها
فالمقصود منه أنّ عقدها وأسنانها وألفاظها كلّها لئالىء يظهر ذلك من تشبيه بعضها ببعض. وللشعراء في هذا النحو والتشبيه معان غريبة، فمن ذلك قول البحتري:
ولمّا التقينا والنقا موعدٌ لنا ... تعجّب رائي الدرّ منّا ولاقطه
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
وقال المتنبّي في ذلك:
ديار اللواتي دارهنّ عزيزة ... بسمر القنا يحفظن لا بالتمائم
حسان التثنّي ينقش الوشي مثله ... إذا مسن في أجسامهنّ النواعم
ويبسمن عن درٍّ تقلّدن مثله ... كأنّ التراقي وشحت بالمباسم
وشبّه الأرجاني الدمع في خدّ معشوقه باللؤلؤ في حال الفراق فقال:
نأى النوم عنّي لمّا نأوا ... وأقسم لا عاد حتّى يعودوا
فبلّغ سلامي بدر الخيام ... يكسفه نأيه والصدود
بآية ما قال يوم الرحيل ... مرعيّة للخليل العهود
ولمّا وقفنا غداة الوداع ... وقيّدت لتظعن بالحيّ قود
بكى وتنفّس خوف الفراق ... فأسلم عقديه جفن وجيد
كان الذي خلعته النحور ... من لؤلؤ لبسته الخدود
وقال أيضاً:
وكأنّ كلّ مليحة يوم النوى ... قد علّقت في الخدّ عقد الجيد
وأمّا قولي فيها:
واهتف هديت ولو من النبل العدا ... كسرت عليك لغيظها أرعاضها
فالرعظ بالضم مدخل سنخ النصل وفوقه لفائف العقب وتُسمّى الرصاف، والجمع أرعاظ، ويقال: إنّ فلاناً ليكسر عليك أرعاظ النبل، مثلٌ لمن يشتدّ غضبه، كأنّه يقول: إذا أخذ السهم نكت به الأرض نكتاً شديداً حتّى تنكسر رعظه، أو معناه: يحرق عليك الأسنان، شبّه مداخل الأسنان ومنابتها بمداخل النصال من النصال، ومثلٌ آخر: ما قدرت على كذا حتّى تعطّفت عَلَيّ أرعاظ النّبل.
[الباب الثامن عشر في قافية العين]
[وفيها فصلان]
الفصل الأوّل في المديح
قلت في مدحه هذه الأبيات:
دعوا كبدي ودونكموا دموعي ... فداعي البين يهتف بالجميع
وما أبقي على كبدي ولكن ... لتأنس في محلّكم ضلوعي
كتمت بها الهوى زمناً إلى أن ... دعاها يومُ بينكم أُذيعي
فصاعدت الدموع لكم نجيعاً ... ويوشك أن تسيل مع الدموع
وبالعلمين واضحة المحيّا ... رشوف الثغر طيّبة الفروع
تمنّي المستهام بغير نيل ... فتطمعه بخالبة لموع
منعت وصالها فسلوت عنها ... وقلت لها ورائك من منوع
فأنت وما صنعت فعنك حسبي ... بمدح محمّد الحسن الصنيع
ربيع زماننا وأرقُّ طبعاً ... إلى الندماء من زمن الربيع
ربيب مكارم وفتى معال ... ترعرع في ذرعى الشرف الرفيع
درور أنامل الكفّين جوداً ... غداة السحب جامدة الضروع
كسا أعطافه نفحات فخر ... وقال لها على الثقلين ضوعي