للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأصيرنّك شهرةً ... بين المسيل إلى العلم

في أبيات أخرى من هذا النمط. قال: فخرج مغضباً يعدو وجعلت أصيح به:

أدخلت رأسك في حرِ أُمّ ... وعلمت أنّك تنهزم

المتوكّل يضحك ويصفق بيده حتّى غاب عنه، وأمر لي بالصلة التي أُعدّت للبحتري.

ولولا خوف الإطالة لذكرت من إعجاب بعض الشعراء بنظمهم ما يطول ذكره.

[الباب الخامس عشر في قافية الضاد]

[وفيها فصلان]

الفصل الأوّل في المديح

قلت في مدحه هذه القطعة المفردة:

وسم الربيع بزعمه ذات الأضا ... كذب الربيع فذاك دمعي روّضا

وقف السحاب بها معي لكنّما ... دمعي استهلّ وإنّما هو أومضا

بكر الخليط عن الدّيار فلم أزل ... أدعوه إذ هو واصطباري قوّضا

يا راحلاً عن ناظريَّ لمهجتي ... أزمعت من سفح العقيق إلى الغضا

الآن أبناء الرجاء غدا السرى ... لهم يحبُّ وكان قبل مبغضا

من حيث لم يستقبلوا في مطلب ... وجه النجاح هناك إلاّ أعرضا

حلف الزمان بأن يديم مطاله ... حتّى لدى حسن المكارم يقتضي

وصلوا السهول إلى الحزون وإنّما ... قطعواالفضاء لخير من ضمَّ الفضا

لبسوا له ليل المطامع أسوداً ... وبه اجتلوا صبح المكارم أبيضا

فرأوا أغرَّ يكاد يقطر بشره ... ماءً له اهتزَّ الرجاء وروّضا

وفتىً له الشرف الرفيع بأسره ... ألقى مقاليد السماح وفوّضا

أعباء مجد لو تكلّف ثقلها ... حتّى يلمّلم لم يطق أن ينهضا

ذكر السيّد المرتضى في الدرر قال: أخبرنا أبو عبيد الله قال: حدّثني محمّد بن العبّاس قال: قال بعضهم لأبي العبّاس محمّد بن يزيد النحوي ما أعرف ضاديّة أحسن من ضاديّة أبي الشيص، فقال له: كم ضاديّة حسنة ولكن لا تعرفها، ثمّ أنشده لبشار قوله:

غمض الجديد بصاحبيك فغمّضا ... وبقيت تطلب في الحبالة منهضا

وكأنَّ قلبي عند كلّ مصيبة ... عظم تكسّر صدعه فتهيّضا

وأخ سلوت له فأذكره أخ ... فمضىوتذكرك الحوادث ما مضى

فاشرب على تلف الأحبّة إنّنا ... جزر المنيّة ظاعنين وخفّضا

ولقد جريت مع الصبا طلق الصبا ... ثمّ ارعويت فلم أجد لي مركضا

وعلمت ما علم امرؤ في دهره ... فأطعت عذّالي وأعطيت الرضى

وصحوت من سكري وكنت موكّلاً ... أرعى الحمامة والغراب الأبيضا

الحمامة أراد بها المرآة، والغراب الأبيض الشعر الشائب. فيقول: كنت كثيراً أتعهّد نفسي بالنظر في المرآة وترجيل الشعر. وصف الغراب بالأبيض لأنّ الشعر كان غربيباً أسود من حيث كان شابّاً ثمّ ابيضّ بالشيب. رَجْعٌ إلى ذكر باقي القصيدة، وذلك قوله:

ما كلُّ باقة تجود بمائها ... وكذاك لو صدق الربيع لروّضا

هكذا أنشده المبرّد ويحيى بن علي، وأنشده ابن الأعرابي:

ما كلُّ بارقة تجود بمائها ... ولربّما صدق الربيع فروضا

قد ذقت ألفته وذقت فراقه ... فوجدت ذاعسلا وذاجمر الغضا

ياليت شعري فيم كان صدوده ... ءأسأت أم رعد السحاب وأومضا

ويلي عليه وويلتي من بينه ... كان الذي قد كان حلماً وانقضى

سبحان من كتب الشقا لذوي الهوى ... ما كان إلاّ كالخضاب فقد نضى

قال المبرّد: وهي طويلة.

قال السيّد المرتضى: ولأبي تمام والبحتري على هذا الوزن والقافية وحركة القافية قصيدتان ضاديّتان إن لم تزيدا على ضاديّة بشار التي استحسنها المبرّد لم تقصرا عنها. فأوّل قصيدة أبي تمام:

أهلوك أضحوا راحلاً ومقوّضاً ... ومزمّماً يصف النوى ومعرّضا

إن يدج عيشك إنّهم أموا اللوى ... فبما أضاء وهم على ذات الأضا

بدّلت من برق الثغور وبردها ... برقاً إذا ظعن الأحبّة أو مضى

ما أنصف الشرخ الذي بعث الهوى ... فقضى عليك بلوعة ثمّ انقضى

عندي من الأيّام ما لو أنّه ... أمسى بشارب مرقد ما غمّضا

لا تطلبنّ الرزق بعد شماسه ... فترومه سعياً إذا ما غيّضا

ما عوّض الصبر امرؤ إلاّ رأى ... ما فاته دون الذي قد عوّضا

يا أحمد ابن أبي دؤاد دعوة ... ذلّت بذكرك لي وكانت ريّضا

<<  <   >  >>