هذا والله الشعر الذي تكاد تقطر منه الحماسة دما، وتجبن عن إنشاده الثريا حتّى لو كانت للأسد فما، وحيث فاض على الأسماع صوب هذين العارضين، وصقل الخواطر والطباع لمع هذين البارقين، رجوت على قلّة البضاعة، ونزارة الإطّلاع في هذه الصناعة، أن أنخرط في سلك من شكر، وأكون في نظم من خمّس وشطر، فقلت لا متحمّساً، بل على سبيل الحكاية مخمّساً:
أثرت الثرى نقعاً بكرّ الضوامر ... إلى أن تركت الدهر أعمى النواظر
فقل للعدى أمنّا شفى الكرُّ خاطري ... فلا والقنا والمرهفات البواتر
فلا ترةً أبقيت لي عند واترأبحتكم للعفو أبرد مشرع ... غداه غسلتم كلّ جرح بمدمع
طمعتم لعمر الله في غير مطمع ... أيذهب خصم في دم لي مضيّع
ولست أذيق الخصم طعم البواترثمّ أقمت إلى جنب كلّ شطر جليل، خادماً له من نظام جميل، فقلت مشطّراً:
"فلا والقنا والمرهفات البواتر" ... عن الخصم لم أصفح سوى صفح قادر
لقد صلت حتّى قلت حسبي من الوغى ... "فلا ترةً أبقيت لي عند واتر"
"أيذهب خصم في دم لي مضيّع" ... وسيف حفاظي فلَّ صرف الدوائر
فكيف تذوق النوم عيناي لحظة ... "ولست أذيق الخصم طعم البواتر"
ثمّ رأيت أن أخمّس هذا التشطير، تلذّذا بمعاودة الفكر إلى ذلك النظام الخطير، فقلت:
سطوت فلمّا لم أدع غير صاغر ... عفوت إلى أن لم أجد غير شاكر
رعى الله صفحي عن عظيم الجرائر ... فلا والقنا والمرهفات البواتر
عن الخصم لم أصفح سوى صفح قادرحملت له أثقال عزمي وقد طغى ... على عود هذا الدهر حتّى بها رغا
فلا وأبي لم يبق لي بعد مبتغى ... لقد صلت حتّى قلت حسبي من الوغى
فلا ترةً أبقيت لي عند واترضمنت على سيفي بهمّة أروع ... دم المجد من خصمي لأكرم مودع
فلست له ابناً أن يضع عند مدّعي ... أيذهب خصم في دم لي مضيّع
ولست أذيق الخصم طعم البواترأبى جدُّ سيفي أن أُكلّم لفظة ... بغير شباه من أرى فيه غلظة
لقد أطعمت عيني الحفيظة يقظة ... فكيف تذوق النوم عيناي لحظة
ولست أذيق الخصم طعم البواترثمّ شفّعته بهذه المقطوعة، وإن لم تكن لائقة لتلك الحضرة الرفيعة:
أثنت عليك بأسرها الدول ... وتشوّقت الأعصر الأول
وأعدت للأيّام جدّتها ... فاليوم عمر الدهر مقتبل
وأرى الممالك يابن بجدتها ... لك شكرها كنداك متّصل
أوسعتها وفضّلتها كرماً ... عنه يضيق السهل والجبل
وسبرت غور زمانها فغدا ... لا جرح إلاّ هو مندمل
مافي الحياة لخالع أمل ... أنت الحمام وسيفك الأجل
من ذا يردُّ لعزمتيك شباً ... وشباك يقطع قبلما يصل
لو شئت قتل الدهر ثمّ درى ... لقضى عليه قبلك الوجل
إن تنتعل قمم الملوك فقد ... توجّتهم بالفخر لو عقلوا
وطأت لك الدنيا باخمصها ... همم بساط نعالها القلل
ولئت أقمت بحيث أنت وقد ... أمنت بك الأقطار والسبل
فالأرض حيث تجوسها بلد ... والناس حيث تسوسها رجل
وإذا الصواهل أرعدت وعلا ... برق الصوارم أمطر الأسل
وعلت رياح الموت خافقة ... بأجشَّ قسطله له زجل
خضت السيوف وكلّها لجج ... تحت الرماح وكلّها ظلل
وجنيت عزَّ الملك محتكما ... من حيث نبت في الكلا الذبل
ولديك آراءٌ مثقفة ... ما مسّة اكمثقّف خطل
فإذا طعنت بها العدا وصلت ... منهم لحيث السمر لا تصل
وعزائم كالشهب ثاقبة ... في كلّ ناحية لها شعل
قل للقبائل لا نعدّكم ... جمع القبائل كلّها رجل
أسدٌ قلوب عداه من فرق ... ذهلٌ ونابل فكره ثعل
فاطرح أحاديث الكرام له ... فبه لكلّ منهم مثل
واترك تفاصيل الملوك فقد ... أغنتك عنها هذه الجمل
يابن الوزارة أنت واحدها ... لا راعها بفراقك الثكل
ومن ادّعى للعين ليس سوى ... إنسانها ابن تشهد المقل
فأقم وبدرك كامل أبداً ... والبدر منتقص ومنتقل
في دولة صلحت وزارتها ... لك فهي تحسدها بك الدول
فصل في رسائله