تكشُّ بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عليها صوتها حيّة البحر
وأراد المحاربي قول الآخر:
لكلّ هلاليٍّ من اللؤم برقع ... ولابن هلال برقع وجلال
ومن ظريف التلميح ما حكي أنّ الحيص بيص حضر ليلة عند الوزير في شهر رمضان على السماط، فأخذ أبوالقاسم بن القطّان قطاة مشويّة وقدّمها إلى الحيص بيص، فقال الحيص بيص للوزير: يا مولانا! هذا يؤذيني. قال الوزير: كيف؟ قال: لأنّه يشير إلى قول الشاعر: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا، وذكر البيت، وكان الحيص بيص تميميّاً، إنتهى.
فأمّا التلميح في بيتي فهو إلى بيت الفرزدق وذلك حيث قال:
ومنّا الّذي منع الوائدات ... فأحيى الوئيد ولم يوئد
يعني بذلك جدّه صعصعة بن ناجية. ويقال: إنّه أحيى ألف موؤودة.
وأمّا قولي: ما طرقت أُمّ الرّجاء الخ، يقال: طرقت الناقة بولدها إذا نشب ولم يسهل خروجه، وكذلك المرأة. والنتاج كما في المجمع يقال: نتجت الناقة ولداً بمعنى ولدت أو حملت. قال: وفي الحديث: فما نتج فهو هدي، أي: فما ولد. ويوم ينتج يولد، فيكون معنى البيت ما عرض لآمل رجاء إلاّ وكان نجحه من نداك لا غير، إنتهى.
[الباب السادس في قافية الحاء]
[وفيها ثلاثة فصول]
الفصل الأوّل في المديح
قلت فيه هذه المقطوعة:
طمحت إليك فما ألذّ طماحها ... هيفاء راض لك الغرام جماحها
وحبتك للتقبيل منها وجنةً ... تحمي بعقرب صدغها تفّاحها
خوطية العطفين ذات موشّح ... منه على غصن تدير وشاحها
مجدولة بيضاء رائقة الصبا ... ملكت على أهل الهوى أرواحها
وبمسقط العلمين غازلت الدمى ... فعلقتها مرضى الجفون صحاحها
من كلّ صاحية الشمائل لم يزل ... سكر الدلال بها يطيل مراحها
زفّت إليّ كخدّها عنبيّة ... خضبت بلون الراح منها راحها
وتروّحت ذات الأراك بنفحة ... منها فشاق عبيرها مرتاحها
والى أبي الهادي بعثت بمثلها ... في الحسن ما استجلى سواه ملاحها
لاغرّ يبسط في المكارم راحةً ... بيضاء تمتاح الورى ممتاحها
بدجىً حوادثها وعند فسادها ... تلقاه مصباح الورى مصلاحها
ما استغلقت لبني المطالب حاجةً ... إلاّ وكان بنانه مفتاحها
وقد اشتمل قولي: خوطية العطفين الخ على التجريد، والتجريد هو أن ينتزع من أمرء ذي صفة أمراً آخراً مثله فيها مبالغة لها فيه، كأنّه بلغ من الإتّصاف بتلك الصفة إلى حيث يصحّ أن ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة، وهو على أقسام: منها: أن يكون ب "من" التجريديّة نحو قولهم: لي من فلان صديق حميم أي بلغ فلان من الصداقة حدّاً صحّ معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها. وكذلك قولي: منه على غصن تدير وشاحها أي بلغ موشحها وهو خصرها من الرقّة واللطافة حدّاً صحّ معه أن يستخلص منه غصن آخر مثله فيهما.
ومنها: أن يكون ب "الباء" التجريديّة، وذلك كقولهم: سألت به البحر ولقيت به الأسد.
ومنها: أن يكون ب "الباء" المعيّة والمصاحبة، كما قال الشاعر:
وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل
المستلئم: لابس اللاّمة وهي الدرع، والباء فيه للملابسة والمصاحبة. والفنيق: الفحل المكرم عند أهله. والمرحل: من رحل البعير أشخصه عن مكانه. والمعنى: تعدو بي ومعي من نفسي لابسٌ درعاً لكمال استعدادي للحرب بالغٌ باتّصافه في الإستعداد أن ينتزع منه مستعد آخر لابس درع.
ومنها: أن يكون بدخول في نحو قوله تعالى: (لَهُمْ فيها دارُ الخُلْد) أي في جهنّم؛ وهي دار الخلد لكنّه انتزع منها داراً أُخرى وجعلها معدّة في جهنّم لأجل الكفّار تهويلاً لأمرها ومبالغةً في اتّصافها.
ومنها: ما يكون بدون توسّط حرف كقول قتادة بن مسلمة الحنفي:
بكرت عَلَيّ من السفاه تلومني ... سفهاً تعجّز بعلها وتلوم
لمّا رأتني قد رزيت فوارسي ... وبدت بجسمي نهكة وكلوم
ما كنت أوّل من أصاب بنكبة ... دهر وحي باسلون صميم
إلى أن يقول فيها:
ومعي أسود من حنيفة في الوغى ... للبيض فوق رؤسهم توسيم