يشير إلى قصّة حاجب بن زرارة حين أتى كسرى في جدب أصلبهم بدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه لقومه أن يصيروا في ناحية من بلاده حتّى يحيوا، فقال: إنّكم معاشر العرب أهل غدر وحرص، فإن أذنت لكم أفسدتم البلاد وأغرتم على العباد. فقال حاجب: إنّي ضامن للملك أن لا يفعلوا. قال: فمن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي هذا، فضحك كسرى وقال: ما كان ليسلّمها أبداً، فقبلها منه ثمّ أذن لهم، فلمّا أحييي النّاس بدعوته صلى الله عليه وآله وسلم وقد مات حاجب، فارتحل عطاء بن حاجب إلى كسرى يطلب قوس أبيه، فردّها وكساه حلّة، فلمّا رجع أهداها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقبلها فباعها من يهودي بأربعة آلاف درهم.
ويشير إلى وقعة ذي قار المشهورة وكانت بين الفرس والعرب، وكانت بعد وقعة بدر بأشهر، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، ولمّا بلغه خبرها قال: هذا أوّل يوم انتصفت فيه العرب من العجم. في بعض الأخبار: وبي نصروا. وعن ابن عبّاس قال: ذكرت وقعة ذي قار عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ذلك يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا. وقد لمح إلى ذلك المطراني بقوله:
تزهو علينا بقوس حاجبها ... زهو تميم بقوس حاجبها
ومن ظريف التلميح قول بعضهم:
رأى صاحبي عمروا فكلّف وصفه ... وحمّلني من ذاك ما ليس في الطوق
فقلت له عمروٌ كعمرو فقال لي ... صدقت ولكن ذاك شبّ عن الطوق
يشير إلى قصّة عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة الأبرش وكانت الجنّ قد استهوته صغيراً ثمّ قدم وقد التحى فأدخلته رقاش إلى الحمّام وألبسته من ثياب الملك ووضعت في عنقه طوقاً من ذهب كان له وأزارته خاله، فلمّا رأى لحيته والطوق في عنقه قال: شبَّ عمرو عن الطوق، فذهبت مثلاً.
ومن غريب التلميح ما يُحكى أنّ رجلاً قعد على جسر بغداد فأقبلت امرأة بارعة الجمال من ناحية الرصافة إلى الجانب الغربي فاستقبلها شاب فقال لها: رحم الله علي بن الجهم. فقالت المرأة: رحم الله أباالعلا المعرّي، وما وقفا بل سارا مشرقاً ومغرباً. قال الرجل: فتبعت المرأة وقلت: لئن لم تخبريني بما أراد بابن الجهم وما أردت بأبي العلا فضحكتما؟ فضحكت وقالت: أراد به قوله:
عيون المهابين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث ندري ولا ندري
وأردت بأبي العلا قوله:
فيا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
ومن ظريف التلميح ما روي أنّ شريك بن عبد الله النميري ساير يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري يوماً فبززت بغلة شريك، فقال يزيد: غضّ من لجامها، فقال شريك: إنّها مكتوبة أصلح الله الأمير. فقال له يزيد: ما ذهبت حيث أردت، ويزيد أشار إلى قول جرير:
فغضّ الطرف إنّك من نميرِ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فعرض له شريك بقول ابن داره:
لا تأمننّ فزارياً نزلت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
وكان بنوا فزارة يرمون بإتيان الإبل.
ومثله ما حكي أنّ تميميّاً نزل بفزاريٍّ فقال: قلوصك يا أخا تميم لا تنفر القطا، فقال: إنّها مكتوبة. أشار الفزاري إلى قول الطرمّاح:
تميم يطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت طرق المكارم ضلّت
وأشار التميمي إلى قول ابن دارة وهو البيت المارّ. وبيت الطرمّاح هذا بعده:
ولو أنّ برغوثاً على ظهر قملة ... يكرُّ على صفي تميم لولّت
وقد أخذ ابن لنكك البيت الأوّل فقال:
تعستم جميعاً من وجوه لبلدة ... تكنّفهم لؤمٌ وجهل فأفرطا
اراكم تعيبون اللئام وإنّني ... أراكم بطرق اللؤم أهدى من القطا
ومثله ما حكي أنّ تميميّاً قال لشريك النميري: ما في الجوارح أحبّ إليّ من البازي، فقال النميري: وخاصّة إذا يصيد القطا. فأشار التميمي إلى قول جرير:
أنا البازي المطل على نميرِ ... أتيح من السماء لها انصبابا
وأشار شريك إلى قول الطرمّاح وهو: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا.
ومن ذلك ما روي أنّ رجلاً من بني محارب دخل على عبد الله بن يزيد الهلالي، فقال عبد الله: ماذا لقينا البارحة من شيوخ بني محارب، ما تركونا ننام. فقال المحاربي: أصلحك الله! أضلّوا البارحة برقعاً فكانوا في طلبه. أراد الهلالي قول الأخطل: