للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل لأشعب الطمّاع: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم كلبة أُم حؤمل تبعتني فرسخين وأنا أمضغ كندراً.

وقيل له يوماً: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما رأيت عروساً في المدينة تزفّ إلاّ كنست بيتي ورششته طمعاً في أنّها تزفّ لي.

ووقف على رجل خيزراني يعمل طبقاً فقال: وسعه قليلاً، فقال الخيزراني: وما تريد بذلك؟ لعلّك تريد أن تشتريه؟ قال: لا، ولكن يشتريه بعض الأشراف فيهدي إليّ فيه شيئاً. ونوادره كثيرة.

واتّفق أنّا سافرنا إلى بغداد أوّل الشتاء، فهبت علينا في بعض الطريق ريح نكباء وأرخت السماء عزالاها وذلك وقت الطفل، فملنا إلى حصن بناه على الطريق أبوالممدوح محمّد الصالح، فلمّا نزلنا فيه أنشأ عمّنها المهدي فيه وله الأصل النفيس، ولي هذا التخميس:

أجل لم يكن في ساحة الكون فاعلمن ... لسار حمىً إلاّ ببيتين في الزمن

ببيت بناه الله أمناً من المحن ... وبيت على ظهر الفلاة بناه من

له همّة من ساحة الكون أوسع

ألا ربَّ قفر قد قطعنا فضائه ... بيوم وصلنا بالصباح مسائه

ولمّا علينا الليل مدّ ردائه ... نزلنا به والغيث يكسب مائه

كأنّ قطره من سيب كفّيه يهمع

كأنّ النعامى حين وافت بقطره ... لنا حملت من خلقه طيب نشره

فما قطرة إلاّ تتابع وفره ... وما برقه إلاّ تبسّم ثغره

لوفّاده من جانب الكرخ يلمع

فبورك بيتاً كان فيه احتجابنا ... عن السوء مذ أمسى إليه انقلابنا

به أمنت حصب الرياح ركابنا ... ومنه وقفتنا أن تبلَّ ثيابنا

مقاصر من شأو الكواكب أرفع

مقاصرُ بتنا من حماها بجنّة ... وقينا الأذى من حفظها بمجنّة

غدت مجمع السارين أنس وجِنّة ... ولم ير في الدّنيا مقاصر جنّة

لشمل بني الدنيا سواهنّ تجمع

فوحشتنا زالت بإنس رحابها ... عشيّه بتنا في نعيم جنابها

إلى أن نسينا السير تحت قبابها ... كأنّا حلولٌ في منازلنا بها

ولم تتضمّنا مهامة بلقع

بنا أدلجت تطوي المهامة عيسنا ... إلى أن بأيدي السير دارت كئوسنا

فمالت نشاوى نحوهنَّ رؤسنا ... وبتنا بها حتّى تمنّت نفوسنا

نقيم بها ما دامت الشمس تطلع

ومذ كان فيها بالسرور مبيتنا ... محيث ثمار الإنس والبشر قوتنا

رأينا الهنا في ظلّها لا يفوتنا ... وعنها وإن عزمت علينا بيوتنا

وددنا إلى أكنافها ليس نرجع

فلا عجب أن تغد صبحاً وعتمةً ... بها الوفد من كلّ الجهات ملمّةً

وتمسي لهم بالخوف أمناً وعصمةً ... ففيها أبوالمهدي أسبغ نعمةً

على النّاس فيها طوق النّاس أجمع

بها عمَّ أهل الأرض دان وشاسعا ... وفيها لكلّ الخير أصبح جامعا

وليس لهذي وحدها كان صانعاً ... له الله كم أسدى سواها صنائعا

بأمثالها سمع الورى ليس يقرع

لقد غمر الدّنيا معاً بسخائه ... فكانت لساناً ناطقاً بثنائه

وأدّب صرف الدهر بعد اعتدائه ... فلا برحت في الكون شمس علائه

بأُفق سماء المجد بالفخر تطلع

[الفصل الثاني في التهاني]

أقول: لمّا قدم الممدوح الفاضل الشيخ محمّد الحسن من حجّ بيت الله الحرام في سنة ١٢٩٢ وكنت عازماً أن أُؤرّخ ذلك العام وأشهد حضرته لتلاوة ما أنشأته من النظام، فمنعني عن ذلك حلول وباء تلك السنة يشبه الطاعون بشدّته وخطبه المتفاقم، وقلت: ما أصدق من قال: عرفت الله بنقض العزائم، فأنشأت هذه الموشّحة اببديعة وأرسلتها إلى حضرته الرفيعة:

عرَّفت ناسكةً ذات اللما ... فرنت فاتكةً في أضلعي

ولكم بالهدب راشت أسهما ... فرمت شاكلتي صبري معي

أنشقتني يوم جمع عرفها ... وعلى الخيف حمتني رشفها

كحل الغنج بسحر طرفها ... ما رنت للصبّ إلاّ أقسما

ما كذا ترنوا ظباء الأجرع ... والغواني تدّعي السحر وما

هو إلاّ تحت ذاك البرقع

غادة أقتلها لي كلّها ... مثلما أحيى لقلبي وصلها

ذات غنج قد سباني دلّها ... طرقت وهناً فقالت أجرما

أذرأتني بائتاً في الهجع ... ونعم يا ريم طرفي هوّما

طمعاً منك بطيف ممتع

<<  <   >  >>