طوت منها الصحائف عايقات ... تعير ذوائب النسرين نشرا
فهل دارين ذات الطيب أهدت ... لطائم في الطروس تفوح عطرا
عقيد الفضل قد فصّلت عقداً ... بعقد جمانة البحرين أزرى
نط العقد المفصّل بين قرطي ... مبتلة لعبوب الجيد عفرا
تشظى رصفه فغدا شعاعاً ... يساقط لؤلؤ في الطرس نثرا
فأعرب عن كتاب كنوز فضل ... أحاط بجوهر الأفكار خبرا
لعمري عبَّ منه عباب يمّ ... فأعيى ملحم الصدفين قطرا
ضربت عن المعاني العون حتّى ... قرعت حصانها تفتضّ بكرا
هو القلم الذي في الطرس يجري ... فيزري بالجراز العضب مجرى
ومتّهم لدى الجلى أمين ... تراه مبرّأً طوراً وطورا
ولولا علمة عرفت بفيه ... لأعوز فاقداً نفعاً وضرّا
ينكسّس منه في القرطاس رأساً ... ليودع مسمع الألواح سرّا
كمثل الصبّ أنحله هواه ... فباح بسرّه المكتوم جهرا
[التقريظ الخامس]
ما نظمه بدر سماء الشرف، وذكاء دارة النجف، من شحذ الحذق ظبة ذهنه، وألجم عن النطق كلّ مفوّه على حداثة سنّه، أفقه الشعراء لا بل أشعر الفقهاء، عقد الشرف الفريد، سيّدنا السيّد محمّد سعيد حبّوبي. قال دام فضله:
هذا كتاب المجد مصحفه ... ومآل وحي الفضل مألفه
فدلائل الإعجاز أسطره ... وقلائد العقيان أحرفه
هذا المفصّل باسم منشئه ... وهو المفضّل إذ تصفّحه
كالفلك تشحنه غرائبه ... فيشقّ لجّ الفكر مجدفه
متضوّعاً كالروض باكره ... صوب الغمام فراق زخرفه
كالماءبالرصف اصطبحت به ... أو عقد غانية ترصفه
ودّت عيوني لو تكون فماً ... تحسوا سلافته وترشفه
ويودُّ سمعي لو يكون يداً ... لينال زهراً منه يقطفه
فاسئل به إن شئت ذا أدب ... فمميّز الدينار صيرفه
وكأنّه لعموم مادحه ... سيّان حاسده ومنصفه
يا أيّها العلوي حزت علاً ... مااسطاع حصراً من يوصفه
لله من قلم كتبت به ... وأنامل أخذت تصرفه
في سحر بابل قد أتى ويرى ... ثعبان موسى ليس يلقفه
يصل المحابر وهي تظمؤه ... ويصدّ عنها وهي ترشفه
متوقّف مالم يعلّ فماً ... فإذا أعلَّ يقلُّ موقفه
ظام قان شرب المدام مشى ... للطرس يلقيه ويقذفه
وكأنّه لدقيق قامته ... صبّ نحيف الجسم مدفنه
عاري المناكب لا يخاط له ... بردٌ ولا ممّا يفوفه
لا يعلم السرّ المصون وقد ... ينيبك عن سرٍّ ويكشفه
جمُّ اللغات لسانه ذرب ... لا يختشي ممّا يحرّفه
متكلّم بالحقّ مؤتمن ... ما صحَّ عنه ما يصفّحه
ومبيّن ما لا يبيّن له ... ومعرّف ماليس يعرفه
[التقريظ السادس]
ما أنشأه طراز الحلّة البغداديّة، ومنطقيها في قصل كلّ قضيّة، الحاج ملاّ عبّاس الصفّار الزبوري. قال حرسه الله للفضل والأدب:
كتابك تحت كتاب الإله ... وفوق كتابة كلّ الورى
أقول وعيناي ترنو إليه ... لقد جمع الصيد جوف الفرا
وأهتف إن قيس فيه سواه ... أين الثريا وأين الثرى
أجل، ها أنا أتمنّى عند رؤيته أنّ أغضائي كلّها نواظر تبصره، وخواطر تتذكّره، وألسنه تذكره، والناظر لا يملّ لحظا، والخاطر لا يكلُّ حفظا، واللسان لا يزلُّ لفظا، سدَّ على الأُدباء موارد الصفات، ومصادر التشبيهات، هذا وهو أرقّ من الماء والهواء، وألذّ وألطف من الصهباء، تدار بين الندماء، ما أجلّت نظري في صحاح جوهر منظوم، هذا العقصل المفصّل، ومنثور درر هذا السيّد المفضّل، إلاّ همت شوقاً فيه، وودت أستقصيه، واعترفت مع ما تحقّق من قصر باعي وتقصير يراعي بالقصور، وعزمت على زجر النفس عن كلّ منظوم ومنثور، ثمّ بدا لي مع ضعف حالي، وإشغال بالي، شكر هذه النعمة الغير المتناهية، لصاحب هذه الهمّة العاليه، فنظمت هذه القصيدة، التي هي بقصورها فريده:
وافى مذ وافاني غده ... ووفى لي فيما أقصده
غصن يسري في بدر دجى ... طافت في شمس ضحىً يده
رشأ بسيوف لواحظه ... شمل العشّاق يبدّده
يشدو فيرقُّ لنغمته ... إسحاق اللحن ومعبّده