ويقال في المثل: لا حتّى يرجع نشيط من مرو، نشيط إسم رجل بنى داراً لزياد بالبصرة وهرب إلى مرو قبل أن يتمّها، وكلّما قيل لزياد: تمّم دارك، يقول: لا حتّى يرجع نشيط من مرو، فلم يرجع وصار مثلاً.
والناشط: الثور الوحشي يخرج من أرض إلى أرض، ومنه قوله تعالى: (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطَاً) أي النجوم تنشط من برج إلى برج، والهموم تنشط بصاحبها، قال هميان بن قحافة السعدي:
أمست همومي تنشط المناشطا ... الشام بي طوراً وطوراً واسطا
فالنشط في بيتنا إمّا مأخوذ من هذا أو من المعنى المتقدّم في أنشطته نشطاً.
وقولي: لك رهط، رهط الرجل قومه وقبيلته، وجعل المكارم رهطاً له لزيادة الإختصاص، قال البحتري:
حتّى لو أنّ المجد خيّر في الورى ... نسباً لأصبح ينتمي في يعرب
أراد باختصاصه بهم إنتماء المجد إليهم. وقال أبو تمام:
إذا ألجمت يوماً لجيم وحولها ... بنوا الحصن نجل المحصنات النجائب
فإنّ المنايا والصوارم والقنا ... أقاربهم في الروع دون الأقارب
وقولي: يلطّ، هو من لطّ الستر أرخاه، قال السيّد المرتضى في رثاء أُمّه:
أم من يلطّ لي ستر دعائه ... حرماً من البأساء والضرّاء
والوخط: أوّل الشيب، من وخطه الشيب إذا خالطه.
والسمط هو الخيط مادام فيه الخرز وإلاّ فهو سلك، والمسمّط من الشعر ما قفي أرباع بيوته وسمّط في قافية مخالفة، يقال: قصيدة سمطيّه ومسمّطة، قال بعضهم:
ومستلئم كشفت بالرمح ذيله ... أقمت بعضب ذي سفاسق ميله
فجعت به في ملتقى الحيّ خيله ... تركت عتاق الطير تحجل حوله
كأنّ على سرباله نضح جريالالسفاسق: طرايق السيف، ويقال إنّها فرنده. ولا يذهب عليك أنّ التخميس والموشّح كلّه من هذا، لا أنّ المتأخّرين اخترعوا طريقتهما، وإنّما غيّروا فيهما التسمية لمناسبة لحظوها فسمّوهما بذلك.
[الباب السابع عشر في قافية الظاء]
[وفيها فصل في المديح]
قلت في مدحه هذه المدحة:
رأت المشيب بعارضيك فغاضها ... وثنت بذات البان عنك لحاظها
هيفاء لو برزت لنسّاك الورى ... يوماً لأصبى دلّها وعاضها
ريم لئالي نحرها تحكي لئا ... لىء ثغرها اللائي حكت ألفاظها
قد كان شملك بالكواعب جامعاً ... أيّام سوق صباك كان عكاظها
فتنبّهت عين الزمان ففرّقت ... بالشيب شملك لا رأت إيقاظها
رقّت إليك قلوبهنّ مع الصبا ... وأعادهنَّ لك المشيب غلاظها
فدع الغواني القاتلات بصدّها ... كم فتنة غنح الحسان أفاظها
واهتف هديت ولو من النبل العدا ... كسرت عليك لغيظها أرعاضها
بمدائح الحسن الذي آباؤه ... كانوا لأسرار الندى حفّاظها
حمّال ثقل المكرمات بهمّة ... لم تشك مذ نهضت بها أبهاظها
يا من أعار النيّرات ضيائها ... فزهت وأعطى المخدرات حفاظها
أوقدت نار قرى لضيفك ضوئها ... وبقلب كاشحك اقتدحت شواظها
فأمّا قولي: رأيت المشيب بعارضيك الخ فمثل قول مهيار الديلمي من قصيدة:
ولم أنس إذ راحوا مطيعين للنوى ... وقد وقفت ذات الوشاحين والوقف
ثنت طرفها دون المشيب ومن يشب ... فكلّ الغواني عنه مثنيّة الطرف
وقد ولع الشعراء في وصف المشيب فأتوا فيه بكلّ معنى دقيق، في نظم أنيق، ويعجبني قول بعضهم في جارية سوداء:
وجارية من بنات الحبوش ... ذات لحاظ صحاح مراض
تعشّقتها للنصابي فشبت ... غراماً ولم أك بالشبيب راضي
وكنت أعيّرها بالسواد ... فصارت تعيّرني بالبياض
وظريف قول بعضهم وهو من الهزل المراد به الجدّ:
تبسّم الشيب بذقن الفتى ... يوجب سفح الدمع من جفنه
حسب الفتى بعد الصبا ذلّة ... أن يضحك الشيب على ذقنه
وذمّ الشباب بعضهم بقوله:
لم أقل للشباب في دعة الله ... ولا حفظه غداة استقلاّ
زائراٌ زارنا أقام قليلاً ... سوّد الصحف بالذنوب وولّى
وما أحسن قول أبي العلا المعرّي في مدح الشيب:
خبّريني ماذا كرهت من الشيب ... فلا علم لي بذنب المشيب
أضياء النهار أم وضح اللؤ ... لؤ أم كونه كثغر الحبيب
وفي هذا المعنى قول بعضهم في ذمّ الشباب: