فقاتل أهل الضغن بالبطش لم يكن ... كقاتل أهل الضغن بالبطش والصفح
هو الرمح سل عنه فؤاد حسوده ... بما بات يلقى من شبا ذلك الرمح
تجده كليما وهو أعدل شاهد ... فيا شاهداً أضحى يعدّل بالجرح
إليك ابن أُمّ المجد عذراء تجتلي ... كأنّ محيّا وجهها فلق الصبح
بها أرجٌ من طيب ذكرك نشره ... يعطّر أنفاس الصّبا لك بالنّفح
تودُّ بنات النظم أن لو حكينها ... ويا بعد مابين الملاحة والقبح
لقد فاز فيها قدحك اليوم مثلما ... غدت وهي فيك اليوم فائزة القدح
فليس لها كفوٌ سواك ولم يكن ... يليق سواها فيك من خرّد المدح
[فصل في الرثاء]
لمّا ورد من فارس إلى بغداد محمّد الجواد ومعه نعش كريمة محمّد الصالح التي تقدّم لها رثاء في قافية الألف، نظمت هذه القصيدة وأرسلتها للفاضل الصالح المذكور وهو في بغداد:
يا نعش ما يصنع الصفيح ... لم يدر ماذا به يبوح
وأيُّ لفظ إليه يغدو ... في وصف معناك أو يروح
هل فلكٌ أنت من علاه ... إليه طرف السهى طموح
أم أنت نعشٌ به مسجىً ... جسمٌ لجسم العفاف روح
سرى على الأرض حاملوه ... وهو بأُفْق السما يلوح
وخلفه والهٌ ثكولٌ ... أُمّ العلى دمعها سفوح
تطارح الورق وهي تدعو ... علىمَ ورق الحمى تنوح
ماهي والوجد تدعيه ... قلبي لا قلبها الجريح
تضمّ أضلاعها حشاها ... ولي حشاً ضمّها الضريح
في طلحها ألفها وألقي ... عن وطني شخصها طليح
لقد بكت بقعة تصلّي ... فيها وشهب السما جنوح
وانتحب الكاتبان لمّا ... فاتهما وردها الصحيح
قد غاض ماء الحياء يندي ... به ثرىً نشره يفوح
توسّدت والعفاف فيه ... يضمّه جيبها النصيح
شلّت أكفُّ الزمان ماذا ... من حرم المجد يستبيح
إليه دبَّ الضرّاء لمّا ... أبدى بأن جاء يستميح
واغتال محجوبةً بخدر ... يحوطه السؤدد الصريح
والعزُّ عنه يذبّ مالا ... يذبُّه الفارس المشيح
ومن أبو المصطفى حماه ... في منعة مالها مبيح
ذاك الذي راحتاه كلٌّ ... على الورى ديمة دلوح
بالطبح مستحلب نداها ... إنّ حلب الغاديات ريح
أغرُّ يلقى الوفود طلقا ... والعام في وجهه كلوح
إن ناظم الخصم ردّ فاه ... مع أنّه المصقع الفصيح
لسانه ميّت مسجىً ... والفم منه له ضريح
ماهو إلاّ خضم علم ... منه ذووا العلم تستميح
بل هو عنوان كلّ فضل ... وهم جميعاً له شروح
ونيّر في سما المعالي ... بنوه شهب بها تلوح
يا من غدا ربعهم وفيه ... أُمّ الندى منتج لقوح
تلك التي عنكم استقلّت ... عيس المنايا بها تسيح
طوبى لها جاورت ضريحاً ... عن جاره ربّه صفوح
واضطجعت في حمىً ضجيعا ... حميّه آدمٌ ونوح
وتوفي ولد لمحمّد الرضا اسمه جعفر قد سقط من سطح من سطوح الدار إلى الأرض فمات فرثيته وعزّيت أباه وجدّه بهذه القصيدة:
أجل منْ علىً ما خفت يرقاه فادح ... هلال المعالي طوّحته الطوائح
ومن حيث لا تعلو به الدهر أهبطت ... إلى اللحد نجم الفخر فالدهر كالح
تناوله من أُفق مجد لعزّه ... قد انحسرت عنه العيون الطوامح
فمطلعه في مشرق المجد مظلم ... ومغربه في موضع اللحد واضح
لحي الله يوماً قد أراني صباحه ... تباريح وجد للحشا لا تبارح
به صاح ناعية فأشغلت مسمعي ... وقد مضَّ في قعر الحشاشة صائح
وهمّت جفوني بالبكاء فملكتها ... على الدمع أرجو الكذب والصدق لائح
وقلت لمن ينعاه إذ جدّ باسمه ... ينوح تبيّنْ باسم مَنْ أنت نائح
بفيك الثرى لا تسم في النعي جعفراً ... فيوشك أن تجتاح نفسي الجوائح
فلمّا أبى إلاّ التي تشعب الحشا ... وإلاّ الّتي تبيضُّ منها المسائح
جمعت فؤادي وانطويت من الجوى ... على حرق ضاقت بهنّ الجوانح
أعاذلتا عنّي خذا اللوم جانبا ... فلا أدمعي ترقى ولا الوجد بارح