للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأياد كم بها قد سمكا ... من سماء لعلاه أرفع

إن أقل يا بدر مجد زهرا ... وبزعمي غاية المدح بلغت

قال لي البدر كفاني مفخراً ... فبتشبيهك لي هذا مدحت

أو أقل يا بحر حود زخرا ... قال لي البحر لماذا بي سخرت

قست من لو رام فخراً لاتّكى ... وكفى عنّي بصغرى أصبع

كم بها نجل غثياً فبكى ... وغدا ينحب بالرعد معى

واحدٌ في كلّ فضل منفرد ... بمزاياً في الورى لم تكن

حلف الدهر به أن لا يلد ... للعلى مثلاً له في الزمن

لا تخلها حلقةً لم تنعقد ... فبها استثنى له بالحسن

ذاك من أصعد حتّى أدركا ... من سنام المجد مالم يفرع

وغدا للفخر يجلو فلكا ... لاح والشمس به في مطلع

ذي كمال سقيت روضته ... فارتوت بالعذب من ماء النهى

كم له عند المعالي نهضة ... لو بها شاء إذاً حطّ السهى

وهو الغيث ولكن ومضه ... ينبت الشكر بمنهلّ اللهى

مثلما ينبت طوراً حسكا ... في عيون حسداً لم تهجع

أعينٌ ليت الكرى إن سلكا ... بين جفنيها جرى في الأدمع

[الفصل الثالث في الحماسة]

قلت هذه الأبيات وفيها تضمين هذا البيت:

"ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأُخرى الأعادي فهو يقضان هاجع"

ألفتُ قراع الدهر إذ أنا يافع ... فكيف تروع اليوم قلبي الروائع

لقد عركت منّي الليالي ابن حرّة ... على العرك منه لا تلين الأخادع

وسيّان عندي سلمُ دهري وحربه ... وما هو معط والذي هو مانع

لعمري ليصنع أيّها شاء إنّه ... حقيرٌ بعيني كلّما هو صانع

فما أنا مسترٌّ بحسن صنيعه ... ولا أنا ممّا سائني منه جازع

سأنشد لا عجزاً ولكن تحمّساً ... لي الله أيّ الحادثات أُصارع

وأيّ الأعادي أتّقى وهم الحصا ... عديداً وكلٌّ مجهرٌ ومصانع

فحيث طرحت اللحظ أبصرت منهم ... أخا حنق شخصي لأحشاه صادع

إذا ما رآني عنّي ازورَّ طرفه ... كأنّي رمحٌ بين جفنيه شارع

وإنّي ولا فخرٌ كفاني تفرّدي ... تحاشدهم أنّى حوتنا المجامع

أريهم بأنّي عن دهاهم مغفّلٌ ... وعندي لهم خبؤٌ من الحزم رادع

كذئب الغضا تلقاه رخواً إذا مشى ... ويشتدُّ إن واثبته وهو قاطع

"ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأُخرى الأعادي فهو يقضان هاجع"

[الباب التاسع عشر في قافية الغين]

[وفيها فصل في المديح]

قلت في مدحه:

ذكرت بذات الأثل حيث مضى لنا ... زمان به ظلّ الشبيبة سابغ

كواعب ترمي عن قسيّ حواجب ... بأسهم لحظ لاتّقيها السوابغ

تدبُّ على الورد النديّ بخدّها ... عقارب من أصداغهنّ لواذع

لوادغ أحشاء يبيت سليمها ... ودرياقه عذب من الريق سائغ

لهوت بها حيناً أطيع بها الهوى ... غراماً وشيطان الصبابة نازغ

إلى أن رأت عيني يد الشيب ناصلاً ... بها من كلا فوديّ ما الله صابغ

فأصبحت لا قلبي من الغيد فارغ ... بلى قلبها منّي غدا وهو فارغ

وأمسيت في ليل من الغمّ تحته ... فؤادي له ضرس من الهمّ ماضغ

إلى أن جلا عنّي الهموم بأسرها ... هلال عُلىً في مطلع السعد بازغ

هلال عُلىً تجلوه طوقاً لنحرها ... له ربّه من جوهر المجد صائغ

فتىً لم تكن أهل المساعي جميعها ... لتبلغ من علياه ما هو بالغ

يقصّر كعب عن نداه وحاتم ... ويقصر حتّى جرول والنوابغ

فأمّا قولي: كواعب ترمي عن قسي حواجب، فنظيره قول أبي الحسن الهمداني من شعراء اليتيمة:

ظلّت تجيل لحاظها ... كالسيف لم يخط المضارب

للسحر في أجفانها ... مهما أدارتها ملاعب

جعلت قسيّ سهامها ... إن ناضلته عقد حاجب

لم تخط سهماً أرسلته ... إنّ سهم اللحظ صائب

وقول القاضي الأرجاني:

أذمت لنا سلمى عشيّة سلّمت ... علينا بتوديع لإيماء حاجب

فما شبهت عيني لها قوس حاجب ... أشارت به نحوي سوى قوس حاجب

وقول الصفي الحلّي:

لم تترك الأتراك بعد جمالها ... حسناً لمخلوق سواها يخلق

<<  <   >  >>