للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن نوزلوا كانوا أُسود عرينة ... أو غوزلوا كانوا بدوراً تشرق

جذبوا القسي إلى قسي حواجب ... من تحتها نبل اللواحظ ترشق

وتشبيه اللحظ بالسهم، والحاجب بالقوس، كثير جدّاً في الشعر.

وأمّا قولي: تدبّ على الورد النديّ بخدّها، فمثله قول صفي الدين الحلّي:

دبّت عقارب صدغه في خدّه ... وسعى على الأرداف أرقم جعده

وبدت محاسنه ففوق لحظه ... سهماً يذود بشوكه عن ورده

وقال ابن بسّام البغدادي: كنت أتعشّق غلاماً لخالي، فنمت ليلة وقمت لأدبّ عليه فلسعتني عقرب، فقلت: آه، فانتبه خالي وقال: ما أتبى بك إلى هنا؟ فقلت: قمت لأبول، قال: صدقت لكن في أُست غلامي فحضرني إذ ذاك هذه الأبيات فقلت:

ولقد سريت مع الظلام بموعد ... حصلته من غادر كذّاب

فإذا على ظهر الطريق مدبّة ... سوداء قد علمت أوان ذهابي

لا بارك الرحمن فيها إنّها ... دبّابة دبّت إلى دبّاب

وقيل: إنّ صاحب الغلام أنشد:

وداري إذا نام سكّانها ... تقيم الحدود بها العقرب

إذا غفل النّاس عن دينهم ... فإنّ عقاربنا تضرب

وقد تركنا ذكر كثير من النظائر في الدبيب لفحشها. وما أحسن ما اعتذر به القائل من ترك الدبيب:

قالوا وقد بصروا بأيري نائماً ... عند الدبيب إليه رخو المفصل

ماذا عراه فقلت ساري ليلة ... عرف المحلّ فبات دون المنزل

ومثل قوله: رخو المفصل ما قال أبوالنجم العجلي وذلك أنّه دخل على هشام وقد أتت عليه سبعون سنة، فقال له هشام: ما رأيك في النساء؟ قال: إنّي لأنظر إليهنّ شزراً، وينظرن إليّ خزراً، فوهب له جارية وقال له: أُغد عَلَيّ واعلمني ما يكون منك، فلمّا أصبح غدا عليه فقال له: ما صنعت شيئاً ولا قدرت عليه، وقلت في ذلك أبياتاً هي:

نظرتْ فأعجبها الذي في درعها ... من حسنه ونظرتُ في سرباليا

فرأت لها كفلاً ينوء بخصرها ... وعثماً روادفه وأجثم ناتيا

ورأيت منتشر العجان مقلّصاً ... رخواً مفاصله وجلداً باليا

ومنها:

ما بال رأسك من ورائي طالعاً ... أظننت أنّ حر الفتاة ورائيا

فاذهب فإنّك ميّت لا ترتجى ... أبد الأبيد ولو عمرت لياليا

وقال الحسين بن الحجّاج:

إذا يئس المرء من أيره ... رأت عرسه اليأس من خيره

ومن كان في سنّه طاعناً ... فقد عدم الطعن في غيره

وقال أيضاً:

نم فما عندك خير يرتجى ... أيّها الأير القليل المنفعه

كنت بالأمس جموحاً في الصبا ... فاشتهيت الخفض واخترت الدعه

طالما جدّلت فرسان الوغى ... وافتتحت القلعة الممتنعه

وتقحّمت مطامير الهوى ... فعرفت الضيق منها والسعه

وقال أيضاً:

قالت وقد قلت اعبثي لي به ... يوماً وقد نامت وقد ناما

وقال بعضهم:

تقول لي وهي غضبى من تدلّلها ... وقد دعتني إلى أمر فما كانا

إن لم تنكني نيك المرء زوجته ... فلا تلمني إذا أصبحت قرنانا

كأنّ أيرك من شمع رخاوته ... فكلّما عركته راحتي لانا

وقال بعضهم:

تعقّف فوق الخصيتين كأنّه ... رشاءٌ على رأس الركيّة ملتفُّ

كفرخ ابن ذي يومين يرفع رأسه ... إلى أبويه ثمّ يسقطه الضعف

ومن ظريف ما يحكى أنّ بعض البغايا دخلت مع رجل في بيت، فلمّا خلا بها لم ينعض، فلمّا طال عليها أخذت تعنّفه، فلمّا زادت عليه في اللوم قال لها: ويلك! أنت تفتحين بيتاً، وأنا أنشر ميتاً، وإنّ بينهما لفوتاً.

وحكي عن المبرّد أنّه قال: عشقت جارية في قصر المعتزّ بالله، فلحقني بها ما خفت عاقبته على نفسي، وطال شوط مطالها، وأنا بنفس ترجي وصالها، فلمّا رحمت عبدها وأنجزت وعدها وحضرتني زائرة نام أيري لشوم طيري، فاجتهدت أن يقوم فأبى، فتحيّرت خجلاً، وتلدّدت وجلاً خوفاً أن تظنّ تلك السيرة، ولا تعرف السريرة، فأخذت سكّين الدواة، فقالت: ما تصنع؟ قلت: أقطعه، فقالت: دعه تبول منه، فكان ذلك أشدّ عَلَيّ من جدع أنفي، فانصرفت وأنا أقول: الشأن في أير يقوم، فالتفتت إليّ وقالت: وهوىً بلا نيك يدوم، فقلت: أيري على مرّ الزمان، فمن أذمّ ومن ألوم.

<<  <   >  >>