وقال الزمخشري: قد قدم الخلفاء وغيرهم من الملوك رجالاً بحسن أسمائهم، وأقصوا قوماً لبشاعة أسمائهم، وتعلّق المدح والذم بذلك في كثير من الأثر، كتب الجاحظ إلى أبي الفرج بن نجاح بن سلمة رسالة، منها: وأقد أظهر الله في أسمائكم وأسماء آبائكم وكناكم وكني أجدادكم من برهان الفال الحسن ونفي طيرة السوء ما جمع لكم صنوف الأمل، وصرف إليكم وجوه الطلب، فأسمائكم وكناكم بين فرج ونجاح وسلامة وفضل، ووجوهكم وأخلاقكم وفق أعراقكم وأفعالكم، فلم يأخذ التفاوت فيكم بنصيب.
وأراد عمر الإستعانة برجل، فسئله عن اسمه، فقال: سراق بن ظالم، فقال: تسرق أنت ويظلم أبوك، فلم يستعن به.
وسأل بعضهم رجلاً عن اسمه، فقال: ما اسمك؟ قال: بحر، قال: أبو من؟ قال: أبوالفيض، قال: ابن من؟ قال: ابن الفرات، قال: ما ينبغي لصديقك أن يلقاك إلاّ في زورق.
وكان بعض العرب اسمه وثّاب، وله كلب اسمه عمرو، فهجاه أعرابي آخر، فقال:
ولو هيّا له الله ... من التوفيق أسبابا
لسمّى نفسه عمرواً ... وسمّى الكلب وثّابا
وقال محمّد بن صدقة ليموت بن المزرع: صدق الله فيه اسمك، فقال له: أحوجك الله إلى اسم أبيك.
وما أظرف قول بعضهم في نحوي اسمه نفطويه:
لا خير في النحو وطلاّبه ... إن كان من طلاّبه النفطويه
أحرقه الله بنصف اسمه ... وصيّر الباقي نياحاً عليه
ومثّل هذا في الظرافة قول بعضهم في من اسمه موسى، وإن كان بمعزل عن البشاعة:
حلّقت لحية موسى باسمه ... وبهارون إذا ما قلبا
ومن الملح النادرة ولم تحضرني كلّها ما حكي أنّ صبيّاً كان اسمه مرّة، واسم أبيه حنظلة، فقال له أبوه: إنّك لمرّ يا مرّة، فقال له: أعجبتني حلاوة أبي.
ويروى أنّه لمّا أقبل قحطبة بن شبيب نحو ابن أبي هبيرة، أراد ابن أبي هبيرة أن يكتب إلى مروان بخبره وكره أن يسمّيه، فقال: اقلبوا اسمه، فوجدوه "هبط حق"، فقال: دعوه على هيئته.
وقال برصوما البرام لاُمّه: ويحك أما وجدتي لي اسماً تسمّيني به غير هذا؟ فقالت: لو علمت أنّك تجالس الخلفاء والملوك لسمّيتك يزيد بن مزيد.
ودخل شريك بن الأعور على معاوية وهو يختال في مشيته، فقال له معاوية: إنّك لشريك وما لله من شريك، وإنّك ابن الأعور والصحيح خير من الأعور، وإنّك لدميم والوسيم خير من الدميم، فبم سوّدك قومك؟ فقال له شريك: وإنّك معاوية وما معاوية إلاّ كلبة عوت فاستعوت فسمّيت معاوية، وإنّك ابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنّك ابن حرب والسلم خير من الحرب، وأنت ابن اُميّة وما اُميّة إلاّ أمة صغرت فسمّيت اُميّة، فبم صرت أميرالمؤمنين؟ فقال له معاوية: أقسمت عليك إلاّ خرجت عنّي، فخرج وهو يقول:
أيشتمني معاوية بن حرب ... وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوي يمن ليوث ... ضراغمة تهشّ إلى الطعان
يعيّر بالدمامة من سفاه ... وربّات الحجال من الغواني
ذوات الحسن والريبال جهم ... شئيم وجهه ماضي الجنان
وقيل: ولد لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر فبُشِّر به وهو عند معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية: سمّه باسمي ولك خمسمائة ألف درهم، فسمّاه معاوية، فدفعها إليه وقال: اشتر بها لسميّي ضيعةً.
ويقال أنّه ارتفع إلى بعضهم وكان يتشيّع خصمان اسم أحدهما علي والآخر معاوية، فانحنى على معاوية فضربه مائة سوط من غير أن اتّجهت عليه حجّة، ففطن من أين أُتي، فقال: أصلحك الله، سل خصمي عن كنيته، فإذا هو أبو عبد الرحمن، وكانت كنية معاوية بن أبي سفيان، فبطحه وضربه مائة سوط، فقال لصاحبه: ما أخذته منّي بالإسم استرجعته منك بالكنية.
ودخل جرير على الوليد بن عبد الملك وعنده عدي بن الرقاع العاملي، فقال الوليد لجرير: أتعرف هذا؟ قال: لا يا أميرالمؤمنين، قال: هذا عدي بن الرقاع، فقال جرير: شرّ الثياب الرقاع، فممّن هو؟ قال: من عامله، فقال جرير: (عامِلَةٌ ناصِبَة، تَصْلى ناراً حامية) ، ثمّ قال:
يقصر باع العاملي عن العُلى ... ولكن أير العاملي طويل
فقال له عدي:
أُمّك كانت خبّرتك بطوله ... أم أنت امرء لم تدر كيف تقول