للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عجبت من دمعتي وعيني ... من قبل بين وبعد بين

قد كان عيني بغير دمع ... فصار دمعي بغير عين

وقال الآخر:

طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قدماً إليها وإن عاقت معاذيري

فكيف صبري عنها الآن إذ جمعت ... طيب الهوى بين ممدود ومقصور

وقال ابن عنين:

مال ابن مازة دونه لعفاته ... خرط القتادة أو مناط الفرقد

مالٌ لزوم الجمع يمنع صرفه ... في راحة مثل المنادي المفرد

وقال ابن أبي الأصبع:

أيا قمراً من حسن وجنته لنا ... وظلّ عذاريه الضحى والأصائل

جعلتك بالتمييز نصباً لناظري ... فهلاّ رفعت الهجر والهجر فاعل

تنقّلت من طرفي لقلبي مع النوى ... وهاتيك للبدر التمام منازل

فلقد أبدع في قوله: من طرفي لقلبي، لأنّ القلب والطرف من منازل القمر، والطرف رائد القلب. وقال الأرجاني في هذا المعنى وإن لم يكن ممّا نحن فيه:

إن تغش طرفي وقلبي نازلاً بهما ... فالطرف والقلب كلٌّ منزل القمر

واستأذن رجل سيبويه فلم يأذن له وقيل: ينصرف. فقال: اسمي أحمد وهو لا ينصرف. فقيل: أحمد في المعرفة لا ينصرف وأمّا في النكرة فمنصرف.

ولنرجع إلى ذكر المدائح: قلت في مدحه هذه القصيدة وأرسلتها إليه:

عين فتّانة لها القلب خدر ... سحرتني وأعين الغيد سحر

طفلة الحيّ شأنها اللهو لكنْ ... حالتا لهوها خضابٌ وعطر

أقرأتني الجمال حرفاً فحرفاً ... وهو في صدرها المطرّز سطر

وجلت لي وما سوى الثغر كاسٌ ... وسقتني وما سوى الريق خمر

وهدتني بوجهها وهو بدر ... تحت ليل أضلّني وهو شعر

نشرته دلاً على ولفتني ... عناقاً فلذَّ لفٌّ ونشر

ياسقى عهدها حيّاً من ثنايا ... ها ودمعي له وميض وقطر

جرحتني بلحظها ثمّ قالت ... هل لجرح الهوى بقلبك سبر

لا وكاسي محمد حسن الفخر ... بقلبي جرح الهوى مستمرّ

حيّ في مطلع السماح هلالاً ... عن عيون الراجين لا يستسرّ

مستهلاًّ على يد اليمن فيه ... بارك السعد وهو طهرٌ أغرّ

ونمى في العلاء غصن صباه ... وهو من ريق المحاسن نضر

ما نضى بردة الشباب ومنه ... ملؤ برد الزمان مجد وفخر

خلفكم يا مشائخ الحزم عجزاً ... فات سبقاً كهل التجارب غرّ

من إذا حلبة الخطابة فيها ... فمّه والخصوم سبق وحضر

قال بالفصل ناطقاً فأرموا ... وادّعى الففضل سابقاً فأقرّوا

ورأوا نثره الفريد فقالوا ... أكلامٌ يفيه أم فيه درّ

يده ليس تألف الدرهم المض ... روب مكثاً لكن عليها يمرّ

كره البخل مذ ترعرع حتّى ... سمعه عن سماع لا فيه وقر

وإلى الآن ليس يدري سوى قول ... "بلى" منذ قالها وهو ذرّ

ذو محيّاً يكاد يقطر ماء ال ... بشر منه لو كان للبشر قطر

وسجاياً كالروض باكره الطلُّ ... نسيم الصبا عليه يمرّ

فهو والمكرمات روح وجسم ... ووشاح يزينها وهي خصر

وبإيداعها له السرّ لطفٌ ... وبتفويضها له الأمر جبر

يا أخا المكرمات وهو نداء ... أجد المكرمات فيه تسرّ

هاك سيّارة مع الريح لكن ... تلك شر رواحها وهي دهر

بنت فكر على النوى لك أمت ... لم يلد مثلها لمثلك فكر

كلّما أثقل الحيا من خطاها ... خفّ فيها هوىً إليك مبرّ

حيّها خير ما اجتليت عروساً ... بنت يوم قبولها منك مهر

أخت عذر جائت على العتب تسعى ... ألها إن تأخّرت عنك عذر

وقلت في أبيه محمّد الصالح هذه القصيدة الفائقة بمحاسنها الرائقة:

بنور وجهك لا بالشمس والقمر ... أضاء أُفق سماء المجد والخطر

وفي البريّة عن معروفك انتشرت ... رواية الشاهدين السمع والبصر

تحدّثوا عنك حتّى أنّ كلَّ فم ... به عبير شذىً من نشرك العطر

وخلقك الروضة الغنّاء ترهم في ... نطاف بشرك لا في ريق المطر

وكفّك البحر ما غاض الرجاء به ... إلاّ وأبرز منه أنفس الدرر

ودار عزّك تغدوا الوفد ناعمة ... فيها بأرغد عيش مونق نضر

<<  <   >  >>