للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخبر أبو عبد الله محمّد بن عمر بن موسى المرزباني قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله العسكري قال: حدّثنا العنبري قال: حدّثنا علي بن إسماعيل اليزيدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: تكلّمت هند بنت أسماء بن خارجة فلحنت وهي عند الحجاج، فقال لها: تلحنين وأنت شريفة في بيت قيس؟ قالت: أما سمعت قول أخي مالك لامرأته الأنصاريّة؟ قال: ما هو؟ قالت: قال:

منطق صائب ونلحن أحيا ... ناً وخير الحديث ما كان لحناً

فقال لها الحجاج: إنّما عنى أخوك اللحن في القول إذا كنى المحدّث عمّا يريد ولم يعن اللحن في العربيّة فأصلحي لسانك.

قال السيّد المرتضى: وقد ظنّ عمرو بن بحر الجاحظ مثل هذا بعينه وقال: إنّ اللحن مستحسن في النساء الغرائر - جمع غريرة وهي التي لم تجرب الأُمور - وليس بمستحسن منهنّ كلّ الصواب والتشبّه بفحول الرجال، واستشهد بأبيات مالك بعينها وظنّ أنّه اراد باللحن ما يخالف الصواب، وتبعه على هذا الغلط عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري فذكر في كتابه المعروف بعيون الأخبار أبيات الفزاري واعتذر بها من لحن أن أُصيب في كتابه.

قال الشريف المرتضى: وأخبرنا أبو عبد الله المرزباني قال أخبرنا محمّد بن يحيى الصؤلي قال حدّثني يحيى بن علي المنجّم قال حدّثني أبي قال قلت للجاحظ: مثلك في عقلك وعلمك بالأدب ينشد قول الفزاري ويفسّره على أنّه أراد اللحن في الإعراب وإنّما أراد وصفها بالظرف والفطنة وإنّها توري عمّا قصدت له وتتنكّب التصريح به؟ فقال: قد فطنت لذلك بعد، فقلت: غيّره من كتابك، فقال: كيف لي بتغيير ما سار به الركبان. قال الصؤلي: فهو في كتابه على خطأه.

قال الشريف المرتضى: ومن حسن اللحن الذي هو التعريض والكناية ما أخبرنا به أبوالحسن علي بن محمّد الكتاب قال: حدآثنا أبوبكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي أنّ رجلاً من بني العنبر حصل أسيراً في بكر بن وائل فسألهم رسولاً إلى قومه فقالوا له لا ترسل إلاّ بحضرتنا لأنّهم كانوا عزموا على غزو قومه فخافوا أن ينذرهم فجيء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إنّي لعاقل، قال: وما أراك عاقلاً، وأشار بيده إلى الليل، فاقل: ما هذا؟ قال: الليل، قال: أراك عاقلاً، ثمّ ملأ كفّيه من الرمل فقال: كم هذا؟ قال: لا أدري وإنّه لكثير، فقال: أيّما أكثر النجوم أم النيران؟ قال: كلٌّ كثير، فقال: أبلغ قومي التحيّة وقل لهم ليكرموا فلاناً فإنّ قومه لي مكرمون - يعني به أسيراً كان في أيديهم من بكر -، وقل لهم إنّ العرفج قد أدبى وشكت النساء وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيساً، واسالوا عن خبري أخي الحارث.

فلمّا أدّى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد ألحن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملاً أصهباً، ثمّ سرّحوا العبد ودعوا الحارث فقصّوا عليه القصّة، فقال: قد أنذركم؛ أمّا قوله: قد أدبى العرفج، يريد أنّ الرجال قد استلئموا ولبسوا السلاح، والعرفج جنس من الشوك، وأدبى أي أورق وصار الورق عليه كالدبا، الدبا صغار النمل، أي ارتحلوا عن الدهناء وأركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب. وقوله: أكلت معكم حيساً، يريد أخلاطاً من النّاس قد غزوكم لأنّ الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال وعرفوا لحن كلامه.

<<  <   >  >>