فقلن لها: أنت تريدين سيّداً شريداً، وقلت للرابعة: قولي، فقالت: لست أقول شيئاً، فقلن: يا عدوّة الله علمت ما في أنفسنا ولا تعلمينا ما في نفسك، فقالت: زوجٌ من عود خير من قعود، فمضت مثلاً، فزوّجهنّ أربعهنّ وتركهنّ حولاً، ثمّ أتى الكبرى فقال: ياابنتي كيف ترين زوجك؟ قالت: خير زوج، يكرم الحليلة، ويُعطي الوسيلة، قال: فما مالكم؟ قالت: خير مال الإبل، نشرب ألبانها جزعا، ويروى جرعا، ونأكل لحمها مزعا، وتحملنا وضعيفنا معا. فقال: يا بنتي زوج كريم، ومال عميم. ثمّ أتى الثانية فقال: ياابنتي كيف زوجك؟ قالت: خير زوج، يكرم أهله، وينسى فضله. قال: وما مالكم؟ قالت: البقر تألف الفناء، وتملو الإناء، وتودك السقاء، ونساء مع نساء. قال: حظيت ورضيت. ثمّ أتى إلى الثالثة فقال: ياابنتي كيف زوجك؟ فقالت: لا سمح بذر، ولا بخيل حكر. قال: فما مالكم؟ قالت: المعزى نولدها فطما، ونسلخها أدما، لم نبغ بها نعما. فقال لها: جذوة مغينة. ثمّ أتى الصغرى فقال: ياابنتي كيف زوجك؟ قالت: شرّ زوج، يكرم نفسه، ويهين عرسه. قال: فما مالكم؟ قالت: شرّ مال. قال: وما هو؟ قالت: الضان جوف لا يشبعن، وهيم لا ينقعن، وصمّ لا يسمعن، وأمر مغويتهنّ يتبعن. فقال أبوها: اشبه امرؤ بعض بزّه، فمضت مثلاً.
قولها: وأمر مغويتهنّ يتبعن أي القطيع من الضأن يمرّ على قطنرة فتزلّ واحدة فتقع في الماء فيقعن كلّهنّ اتّباعاً لها، والضأن توصف بالبلاة.
قال الأصمعي: رأيت امرأة من العرب تطوف بالكعبة وتنشد بلسان ذرب:
أستغفر الله لذنبي كلّه ... قبّلت إنساناً بغير حلّه
لحسن عينيه وحسن دلّه ... مثل غزال كانس فى ظلّه
وانتصف الليل ولم أصلّه ... والخمر مفتاح لهذا كلّه
فقلت لها: لله درّك ما أحدّ جنانك، وأفصح لسانك؟! فقالت: إليك عنّي، ما ترك كتاب الله لأحد فصاحة، ولقد سمعت منه آية جمعت أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين وهي قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنا إلى أُمِّ مُوسى أن أرضعِيهِ فإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فألْقِيهِ في اليَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَني إنّا رادُّوهُ إليكِ وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِين) .
وفي فتح القريب: إنّ عمر بن الخطّاب خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيراً، فمرّ بامرأة مغلق عليها بابها، فاستمع لها عمر وهي تقول:
تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني أن لا ضجيع أُلاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لحرّك من هذا السرير جوانبه
وبتُّ أُلاهي غير بدع ملعن ... لطيف الحشا لا يحتويه مصاحبه
يلاعبني طوراً وطوراً كأنّما ... بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه
يسرُّ به من كان يلهو بقربه ... يعاتبني في حبّه وأُعاتبه
ولكنّني أخشى رقيباً موكّلاً ... بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه
ثمّ تنفّست الصعداء وقالت: لهان على ابن الخطّاب وحشتي في بيتي، وغيبة زوجي عنّي، وقلّة نفقتي. فقال عمر: يرحمك الله، فلمّا أصبح بعث إليها بنفقة وكسوة وكتب إلى عامله يسرح إليها زوجها.
ويقال أيضاً بطريق آخر: إنّ عمر بن الخطّاب خرج في الليل، فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسودَّ جانبه ... وأرقني أن لا خليل أُلاعبه
فوالله لولا الله إنّي أُراقبه ... لزلزل من هذا السرير جوانبه
فقال عمر بن الخطّاب: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت حفصة: ستّة أشهر أو أربعة، فقال عمر: لا أحبس أحداً من الجيش أكثر من أربعة أشهر.
وحدّث أبوالعينا قال: حجّ الحسين بن الضحّاك فمرّ في منصرفه عل يموضع يعرف بالقريتين وإذا جارية كأنّها القمر في ليلة التم تتطلّع من تحت ثيابها وتنظر إلى حرها ثمّ تضربه بيدها وتقول: ما أضيعني وأضيعك، فأنشا الحسين يقول:
مررت بالقريتين منصرفاً ... من حيث يقضي ذووا الهوى النسكا
إذا فتاة كأنّها القمر التم ... إذا ما توسّط الفلكا
واضعةً كفّها على حرّها ... تقول واضيعتي وضيعتكا
فلمّا سمعت قوله ضحكت وغطّت وجهها وقالت: وا فضيحتاه.
ويروى أيضاً ما هذا مضمونه أنّ امرأةً قالت لأُخرى: خرجت اليوم إلى العيد، قالت لها: إي وحياتك، قالت لها: فما رأيت؟ قالت: أحراءً تتثأب وأيوراً تتمطّى.