للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجسومهم في الأرض واهية القوى ... وعقولهم طارت مع العنقاء

ياليتها تبعت عقولهم ولا ... تبقى لهم في خزية شنعاء

وقال السري الرفاء:

كم حاولا أمدي فطال عليهما ... أن يدركا إلاّ مثار ترابي

عجزا ولن تقف العببيد إذا جرت ... يوم الرهان مواقف الأرباب

ومثل قوله: أن يدركا إلاّ مثار ترابي، قول السيّد الرضي في صفة الجواد، ولقد أحسن وأجاد:

وذي حجول نافض سبيبه ... على طموح الناظرين بازل

ينقضُّ لا تلحق من غباره ... إلاّ بقايا فلق الجراول

وفي هذا البيت من المبالغة ما لا يخفى، لأنّه جعل هذا الجواد في سرعة عدوه لا يلحق غباره وإنّما يحلق منه فلق الجراول - وفلق الجراول الحجار الصغار التي تنحتّ من الصخر وتكون مع ترابه لدقّتها - وحيث انتهى الكلام إلى ذكر الجواد وشدّة عدوه لا بأس بذكر نبذة ممّا نظمته الشعراء في الخيل، قال الطغرائي:

سبقت حوافرها النواظر فاستوى ... سبق إلى غاياتها وصفون

لولا ترامي الغايتين لأقسم ... الرائون أنّ حراكها تسكين

وتكاد تشبهها الصروف لو أنّها ... لم تعتلقها أعين وظنون

وما أحسن ما وصف به ابن حجاج فرسه:

قال له البرق وقالت له ... الريح جميعاً وهما ما هما

ءأنت تجري معنا قال لا ... إن شئت أضحكتما منكما

هذا ارتداد الطرف قد فتّه ... إلى المدى سبقا فمن أنتما

وقال ابن دريد:

يجري فتكبو الريح في غاياته ... حسرى تلوذ بجراثيم السحا

وقال ابن نباته:

لا تعلق الألحاظ من أعطافه ... إلاّ إذا كفكفت من غلوائه

قال ابن حمديس الصيقلي:

يجري فلمع البرق في أثاره ... من كثرة الكبوات غير مفيق

ويكاد يخرج سرعة من ظلّه ... لو كان يرغب في فراق رفيق

وما أبدع قول ابن المعتز:

فكأنّه موج يذوب إذا ... أطلقته وإذا حبست جمد

وما أحلا قوله أيضاً:

يكاد أن يخرج من إهابه ... إذا تدلّى السوط لولا اللبب

وقال شمس الدولة:

أبت الحوافر أن يمسَّ بها الثرى ... فكأنّه في جريه متعلّق

وكأنّ أربعة تراهنُ طرفه ... فتكاد تسبقه إلى ما يرمق

ولقد أجاد عمّنا المهدي حيث نسج على منوال هذا المعنى فقال:

يعدو عليهم على عداء سابحة ... من شدّة الجري لم تبصر توائمها

تطير بين السما والأرض جائلة ... كأن قوائمها كانت قوادمها

وقال بعضهم:

كم سابح أعددته فوجدته ... عند الكريهة وهو نسر طائر

لم يرم قط بطرفه في غاية ... إلاّ وسابقه إليها الحافر

وبليغ قول الصفدي:

يا حسنه من أشقر قصّرت ... عنه بروق الجورّ في الركض

لا تستطيع الشمس من جريه ... ترسمه ظلاًّ على الأرض

وعجيب قول الصفي:

وأدهم يقق التحجيل ذي مرح ... بميس من عجبه كالشارب الثمل

مطهّم مشرف الأذنين تحسيه ... موكلا باستراق السمع عن زحل

ركبت منه مطاليل تسير به ... كواكبٌ تلحق المحمول بالحمل

إذا رميت سهامي فوق صهوته ... مرّت بهاديه وانحطّت عن الفل

وغريب قوله أيضاً:

وأغرّ تبريّ الإهاب مورد ... سبط الأديم محجّل ببياض

أخشى عليه بأن يصاب بأسهمي ... ممّا ييسابقها إلى الأغراض

وقال المتنبّي:

يقبّلهم وجه كلّ سابحة ... أربعها قبل طرفها تصل

إن أدبرت قلت لا تليل لها ... أو أقبلت قلت مالها كفل

وبديع قول جمال الدين:

وأدهم اللون فات البرق وانتظره ... فغارت الريح حتّى غيّبت أثره

فواضعٌ رجله حيث انتهت يده ... وواضع يده أنّى رمى بصره

سهم تراه يحاكي السهم منطلقاً ... وماله غرض مستوقف خبره

يعقّر الوحش في البيداء فارسه ... وينثني وادعاً لم يستثر غبره

وقال ابن نباتة:

وردٌ مع العرب منسوب فلا قطعت ... يد الحوادث من أنسابه شجره

إذا امتطى ظهره رامي السهام مضى ... والسهم حذواً فلولا سبقه عقره

عجبت حين تسمّى سابحاً وله ... وثب لو البحر راسى دونه طفره

فتخاء في هضبات الحسن صاعدة ... أولا فصاعقة في السهل منحدره

<<  <   >  >>