ضيف ألمّ برأسي غير محتشم ... والسيف أحسن فعلاً منه بالقمم
وقال ابن أبي الأصبع:
إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها ... تذكّرت مابين العذيب وبارق
ويذكّرني من قدّها ومدامعي ... مجرّ عوالينا ومجرى السوابق
وظريف قول ابن نباتة في الهزل:
أقول لمعشر جلدوا ولاطوا ... وباتوا عاكفين على الملاح
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
أتنسى صدع أُمّك فوق أيري ... بذور كما يذور بني رياح
تقول وقد جلست عليه إيه ... وقد قعدت على الورد الوقاح
ألسنا خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
فقلت دعي فليس أوان فخر ... ولا بأوان هجو وامتداح
ولكنّ الأوان أوان نيك ... وإدخال الفياشل في الفقاح
وقال ابن نباتة:
تصدّى إلى أيري فقلت له اثئد ... وحقّك لو عاينته وهو ثائر
رأيت الذي لا كلّه أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صاير
ومن ظريف التضمين ما حكي أنّ الحيص بيص الشاعر قتل جرو كلب وهو سكران فأخذ أبوالقاسم القطان الشاعر كلبة وعلّق في رقبتها قصّة وأطلقها عند باب الوزير، فأخذت القصّه من عنقها وأدخلت على الوزير، فإذا فيها مكتوب:
يا أهل بغداد إنّ الحيص بيص أتى ... بخزية أورثته العار في البلد
أبدى شجاعته بالليل مجترياً ... على جري ضعيف البطش والجلد
فأنشدت أُمّة بعد ما احتسبت ... دم الأبيلق عند الواحد الصمد
أقول للنفس تأساءً وتعزية ... إحدى يديَّ أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
البيتان الأخيران لامرأة من العرب قتل أخوها ابناً لها فقالتهما تسلية لنفسها.
وقال بعضهم في قاض مات غلامه وبغلته معاً وضمن المثل، فقال:
قالوا غلام القاضي وبغلته ... راحا جميعاً منه على البغته
قلت لقد برح الزمان به ... لم يبق لا فوقه ولا تحته
وقال آخر مضمّناً في مدح بعضهم:
أستغفر الله أين الغيث منقطعاً ... من جوده وهو طول الدهر متّصل
من حاتمٌ عدّ عنه واطرح فيه ... في الجود لا بسواه يضرب المثل
أين الذي برّه الآلاف يتبعها ... كرائم الخيل ممّن برّه الإبل
لو مثل الجود سرحاً قال حاتمهم ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل
والأحسن في التضمين صرفه عن معناه الأصلي فمن ذلك قول أبي الحسن في تضمين قصيدة امرء القيس وجرّها إل مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
نبي الهدى قد قال للكفر نوره ... ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي
تلا سوراً ما قولها بمعارض ... إذا هي نصّته ولا بمعطّل
وقد تلاعب الشعراء بتضمين هذه القصيدة، فمن ذلك قول أبي منصور:
أكتاب ديوان الرسائل مالكم ... تجمّلتم بل متّم بالتجمّل
وأرزاقكم لا تستبين رسومها ... لما نسجتها من جنوب وشمئل
إذا ما اشتكى الإفلاس والضر بعضكم ... تقولون لا تهلك أسىً وتحمّل
حلفتم على باب الأمير كأنّكم ... قفانيك من ذكرى حبيب ومنزل
وكتب بعضهم إلى ابن نباتة:
أفي كلّ يوم منك عتب يسوئني ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
وترمي على طول المدى متجنّياً ... بسهميك في أعشار قلب مقتل
في أبيات طويلة فأجابه متهكّماً:
فطمت ولائي ثمّ أقبلت عاتباً ... أفاطم مهلاً بعض هذا التدلّل
بروحي ألفاظ تعرّض عتبها ... تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
فأحييت ودّاً كان كالرسم عافياً ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ومن التضمين الغريب ما اخترعه الصاحب فخرالدين في مداعبة رجل من أصحابه كبير الأنف وهو:
تأنّف عن وصف الغزال تغزّلي ... بلحية أنف ذي حقاف عقنقل
من البق فيها جملة قد تعرّضت ... تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
فياقبح شعر فوق أنف معرقف ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل
ترى القمل والضبيان في عرصاتها ... وقيعانها كانّه حبّ فلفل
كأنّ الفسا إن قيس مع ريح أنفه ... نسيم الصبا جائت بريا القرنفل