وكتب أيضاً إلى السيّد المذكور السيّد الشريف العالم الفاضل السيّد محمّد سعيد حبّوبي كتاباً وضمّ إليه قصيدة فائيّة يصف بها القصر الذي سيأتي ذكره يمحده بذلك ويمدح جناب الحاج محمّد حسن والكتاب هذا:
أهدي إليك مع النسيم تحيّة ... تدع النسيم من التلهّب بارقاً
فاصحر لها ما إن تهبّ مجزية ... بربى ديارك شائماً أو ناشقا
سلام أرقُّ من نسمات الصبا، وإن أدركت من رقّة طبعك نصيبا، وأطيب من نفحات الكبا، وإن تضمّخت من نثرك طيبا، نظمته من بيض لؤلؤ مكنون، فانسقت فرائده صفوفا، ثمّ احترقتها بنار الشجون، فاسودّت في الطروس حروفا، لى طراز حلّة الفخر المذهّبة، ونور الدوحة الفاطمىّ المهذّبة، نخبتي من النّاس، مولاي السيّد عبّاس، حفظه الله وحرسه، بالنبيّ وآله، ومن عقد في عراهم مرسه، وأتبعهم في أحواله وأقواله.
وبعد؛ فالقصد الأصلي، والمطلب الأوّلي، هو الفحص عن ذاتك التي هي عنوان الشرف، وطباعك المصقولة بأكفّ الترف، المسكوبة في أقداح اللطافة والظرف، التي ما تعاطي ذكرها الأحباب، إلاّ وأسكر الأرواح ما يروقها، المتشعشة في الأكواب، مذ كان من العلم والأدب راووقها، وإن سئلت عن صبك العميد، فهو بحمد الله في عيش رغيد، وإنّي وردت إلى الزوراء، قبل تزويج زين الخلاء، فكنت بهجة الألسن حيث لم نأنس إلاّ وذكرناك، ومتى النفوس والأعين، حيث ما منينا إلاّ وتمنّينا.
فلكم جلسنا مجلساً ... فيه الأنيس جميل ذكرك
هذا بمدك آخذ ... ويروح ذا بمزيد شكرك
فكأّ ذكرك خمرة الأنس المتعاطات، والخطوة بمجيئك خطوة الأمل المتباطات، فلم توفق آفاقنا بإشراق شمسك، ولا ردَّ يومنا ما فات من أمسك، فكان بعدك كالغصة في ذلك العيش، وفي مراماة تلك القارة يميناً وشمالاً سهمنا بالطيش، حتّى زارت الزوراء خريدتك الفائيّة، التي آنستنا بكلّ بحترية وطائيّة، فتغنّت الندمان بها على كلّ سلافة، ونظمتها عقوداً كعاب الرصافة، بعد أن أقبلت ترفل في قوافيها، فتلقّتها الأخلاّء بالقبول، وعانقوا من ضخامة معانيها، ما تفصّمت في ساقها الحجول، فانعقد مجلس لأجلها، وتعطّشت الأسماع لسجلها، فلم يبق بيت إلاّ استعيد مائة وعشراً، ولا لطيمة مسك إلاّ وفضت ما استقصيناها نشراً، إذ تبسّمت مفترة عن ثغر عبّاس، وانسكبت صهباء على مسامع الجلاس، فانهت خمار شغفها إلى قلوب السامعين، وحلّت بانعقاد نطفها عرى المتعصّبين، فلو كان السامعون من ذبيان، لا نيغ فيهم غيرك من زياد، ولو كنت في سالف ذلك الزمان، لما أبقى طريفك من تلاد، ولو وعاها الوليد لشاب، أو سمعتها أخت صخر لارفضَّ قلبها وذاب، ولعمري هي صدر التهاني من الناظمين، وإن كنت منخرطاً في سلكهم، فقد رمت الوزارة على المهنّين، فردّوني وظفروا منك بملكهم، فهي المقدّمة على تأخيرها، والمعشوقة على تأميرها، ولعمري لهي الشنب المرتشف من الثغور، والحبب المرقص بأقداح الخمور، هذا وقد أرسلت إليك هذه الخود الكعاب، فأذّن لها ولا تغلق من دونها الباب، فهي وإن لم تكن بشأنك وافيه، إلاّ أنّها تحلّت عن بديعتك بالقافيه.
بلوى الرقمتين من أُمّ أوفى ... طلل بان أهله فتعفّى
غيّرته الأعصار يوماً وليلاً ... وشمالاً يعصفن بالربع عصفا
ومحاه مسرى الرياح جنوباً ... وانهطال السماك سحباً ووكفا
وثلاث لم يبلها صوب قطر ... لا ولا كابدت من البين صرفا
قربت بينها ولائد بكر ... وارتضتها مواقد الحيّ ألفا
بين نوئين خلفت ضمياء ألقت ... من حليّ لها سوراً ووقفا
قال لي صاحبي وقد أخضل الدمع ... ردائي ومزنة الشوق وطفا
طارحاً بالطلول عبأ دموع ... أثقلت ناظري عسى أن يخفّا
أو تبكيك باللوى عرصات ... دارسات الطلول من أُمّ أوفى؟
صاح دعني في اربع نعمتني ... بلعوب لطيفة الخصر هيفا
كان عهدي بها قريبة عهد ... لم ترعني في موعد الوصل خلفا
تتمشّى مدلّة بين بيتي ... جاريتها ممكورة تتكفّى
بقضيب يهزّه اللين قدّاً ... وكثيب يرجّه الثقل ردفا
هي روض الجمال يرتادها الطر ... ف اختلاسا وتمنع الكفّ قطفا
مبسماً واضحاً ووجها أغرّاً ... وحشىً مخطفا وزندا ألفا