للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقولة عوصاء ارتجّ بابها ... ففلجتها لمّا ولجت خصامها

وقلائد قذفت بحارك درّها ... وقضى لسانك وصفها ونظامها

هي آية العرب التي انفردت بها ... راعيت فيها عهدها وذمامها

كم معجز منها ظهرت بفضله ... سنن الرجال فلم تجد أفهامها

وغريبة مسحت يداك موآنساً ... منها الثغور ومفصحاً أعجامها

حمست حتّى قيل صبَّ دمائها ... وغزلت حتّى قيل صبّ مدامها

ماتت بموتك غير ما أودعته ... في الصحف أو أمددته أقلامها

رجْعٌ إلى ما كنّا فيه: وممّن عدّ الشعر فخراً القاضي الأرجاني في قوله - وأبدع فيما قال وأغرب -:

وأحقّ من عني الملوك به ... مَنْ سار فيما قال ذكرهم

لولا زهير والمديح له ... لم يدر هذا الناس مَنْ هرم

وأنا الذي لم يسخ بي أحد ... إلاّ غدا ونديمه الندم

وقال أيضاً أبو سعيد الرستمي:

من الناس من يعطي المزيد على الغنا ... ويحرم ما دون الغناء شاعرٌ مثلي

كما لحقت واوٌ بعمر زيادةً ... وضويق بسم الله في ألف الوصل

وقال الأرجاني:

لو كان بالفضل التقدّم يقتنى ... ما كان "لا" في أوّل التوحيد

وأجاد مهيار متظلماً بقوله:

مالي ولم أسبق إلى الغنم ... قسم الرجال وأغفلوا سهمي

الحقّ لي والحظّ عندهم ... أظمي ويروى معشر باسمي

وممّن عدّ الشعر منقصةً في شرفه ومزاياه الموروثة عن سلفه أبوالحسن الشريف الرضي في قوله:

مالكَ ترضى أنْ تكون شاعراً ... بُعداً لها من عدد الفضائل

وقوله في مدح أبيه:

أمعثر الأحداث في أذيالها ... وأفاك مدحي والجدود عواثر

إنّي لأرضى أن تعيش ممدَّحاً ... وعلاك لا يرضى بأنّي شاعر

ومنهم أبوطالب المأموني حين وفد على الصاحب ابن عباد فأعجب به وبالغ في إكرامه على حسن نظامه، فحسد بعض حاشية الصاحب ودبّت عليه عقارب كيدهم وطفقوا يركبون فيه الصعب والذلول ويرمونه بما يصرف وجه الصاحب عنه وإسقاط منزلته عنده، فقال في ذلك قصيدةً يستأذنه فيها للرحيل، وأحببت إيرادها لحسنها ولأنّ كلّ بيت منها نادرة باهرة، وبديعة سائرة، وهي:

يا ربع لو كنت دمعاً فيك منسكباً ... قضيتُ نحبي ولم أقض الذي وجبا

لا ينكرنّ ربعك البالي بلى جسدي ... فقد شربت بكأس الحبّ ما شربا

ولو أفضت دموعي حسب واجبها ... أفضت من كلّ عضو مدمعاً سربا

عهدي بربعك للذّات مرتبعاً ... فقد غدا لغوآدي السحب منتحبا

فيا سقاك أخو جفني السحاب حياً ... يحبو ربى الأرض من نور الرياض حبا

ذو بارق كسيوف الصاحب انتضيت ... ووابل كعطاياه إذا وهبا

ومنها:

وعصبة بات فيها الغيظ متّقداً ... إذْ شدت لي فوق أعناق العدى رتبا

ومن يرد ضياءَ الشمس إن شرقت ... ومنْ يسدَّ طريق الغيث إن سكبا

فكنت يوسف والأسباط هم وأبو ... الأسباط أنت ودعواهم دماً كذبا

قد ينبح الكلب مالم يلق ليث شرىً ... حتّى إذا ما رأى ليثاً مضى هربا

أرى مأربكم في نظم قافية ... وما أرى لي في غير العلا إربا

عدّوا عن الشعر إنّ الشعر منقصة ... لذي العلاء وهاتوا المجد والحسبا

فالشعر أقصر من أنْ يستطال به ... إن كان مبتدعاً أو كان مقتضبا

أسير عنك ولي في كلّ جارحة ... فمٌ بشكرك يجري مقولاً ذربا

إنّي لأهوى مقامي في ذراك كما ... تهوى يمينك في العافين إن تهبا

لكن لساني يهوى السير عنك لأن ... يطبق الأرض مدحاً فيك منتخبا

أظنّني بين أهلي والأنام هم ... إذا ترحّلت عن مغناك مغتربا

وقول الآخر:

ولست أعدَّ الشعر فخراً وإنّني ... لأنظم منه ما يفوق الدراريا

ولكنّني أحمي حماي وأتّقي ... عداي وأرمي قاصداً من رمانيا

وقولي في هذا المعنى في رثاء عمّي المهدي وفيه تلميح إلى قوله تعالى: (وَكُلَّ إنسان أَلْزَمْناهُ طائرَهُ في عُنُقِهِ) لأنّه أوصى إليّ في بعض قصائد كان نظمها في مدح جدّه وعترته أن أجعلها معه في كفنه.

وأرى القريض وإن ملكت زمامه ... وجريت في أمد إليه بعيد

<<  <   >  >>