للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتجاوز بفضل صفحك عمّن ... لسوى الصفح لم يجيء مستثيبا

ثمّ هب لي جناية الدهر يا من ... لم يلد مثله الزمان وهوبا

فلقد أقعدتني العلل، حيث أقامني الخجل، ومثلت بي الأمراض، في غيئة من غيره الصدود والأعراض، إلاّ أنّ أملي قبول العذر ممّن فقد بعض أفلاذ كبده، ونزل السقم منه منزلة الصحة من جسده، مع طوارق أُخر، كلّ طارقة منها تقول لا وزر، أيسرها ابتلاء الدهر له بحبسه، مع غير أبناء جنسه، فإنّي منذ فارقت ذلك النادي، وحللت لكن في غير بلادي، مقسم الفكر بين معالجة الأوصاف، ومعالجة انتساخ ذلك الكتاب، وبينا أنا كذلك إذ وردت إليّ تلك الرسائل، ورود الغيث على الجدب الماحل، فلولا أنّها تابعت طروقها، وشفعت برعدها بروقها، لما ألهاني تنسيق الجواب، عن تنميق الكتاب، وإنّها - يا عافاك الله ممّا أشتكيه - وإن كان ورودها إليّ منك، فإنّي قد آثرت الإشتغال بك حتّى عنك، وهذا عذري إليك، وأنا على ثقة من قبوله إذا نشر لديك، وقد جعلت معاني هذه الغادة السحّارة، لما سلف من الذنوب كفّارة.

يا من لويت به يد الخطب ... وبه ثنيت طلايع الكرب

ولقيت حدَّ الحادثات به ... ففللت ذا غرب بذي غرب

وأرحت آمالي بساحته ... فطرحت ثقل الهم عن قلبي

بشرى لهاشم حيث سالمني ... فيك الزمان وكان من حربي

فلتشهد الدنيا وساكنها ... أنّي مخضت لخيرهم وطبي

وبحسبهم ذمّاً شهادتها ... إنّي لغيرك لم أقل حسبي

أنت الي آبائه درجوا ... وهم حليُّ عواطل الحقب

يتناقلون الفخر بينهم ... ندبٌ له يرويه عن ندب

ما زال صبٌّ بالعلا لهم ... يتورَّث العلياء عن صبّ

حتّى ورثت عظيم سؤددهم ... كرم الغيوث ورفعة الشهب

فقبضت عن شرف يد الجدب ... وبسطت عن سرف يدالخصب

ومرى مكارمك الثناء كما ... يمري النسيم حلائب السحب

طبٌّ بأدواء الأُمور لها ... تضع الهناء مواضع النقب

يفديك كلّ أخي يد هي في ... خصب السنين أليفة الجدب

لا بالولود ولا اللبون ولا ... بروم غير الشحّ من سقب

من لو عصبت بنان راحته ... بالسيف ما درّت على العصب

ماالريح ناعمة الهبوب سرت ... سحراً على نزه من العشب

بأرقّ منك خلائقاً كرمت ... ممزوجة الصهباءِ بالعذب

وقلت في أبيه محمّد الصالح هذه الأبيات معرضاً ببعض مناويه ومجاريه:

فيا نيّر الدنيا الذي في ضيائه ... جلى عن محيّاها ظلام الغياهب

عجبت لمن يبغي علاك بسعيه ... وما هو من أبناء هذي المطالب

وما هو إلاّ كالمناسم لوسعت ... مدى الدهر لا تسمو سموّ الغوارب

وأعجب منه من يجاريك في الندى ... وعندك يغدو باسطاً كفّ طالب

يهابك إذ تبدو ومرجلُ ظغنه ... من الغيظ يغلي منه خلف الترائب

ويطرق إجلالاً بحيث تظنّه ... قد انعقدت أهدابه بالحواجب

فحسبك فخراً إنّ عرقك ينتمي ... لعرق علىً في طينة العزّ ضارب

ولو بنداك البحر يقرن لم يكن ... بجنب نداك البحر نهلة شارب

وقال عمّنا المهدي في أبيه الصالح أيضاً، وينحو فيها تفضيله على كرماء العرب:

لك الله إنْ كرماء العرب ... أرت قومها في قراها العجب

وإنّ في ليالي الشتاء التي ... على أنفه الكلب لفَّ الذنب

أماجدها أوقدت نارها ... لعلّ لها طارق تجتلب

وإنْ ماجدٌ منهم قد رأى ... بإيقاده النّار ما قد طلب

فغاية ما عنده ناقة ... يعرقبها من خيار النجب

ويغدو بما صنعته يداه ... من الخير مفتخراً في العرب

وربع أبي المصطفى دائم ال ... زمان سنا فخره ملتهب

وطبّق في نوره الخافقين ... وقال هلمَّ لنهب النشب

فأين سنا نارها من سنا ... أشعّة أنوار عالي الحسب

ونحرهم بدنات الجمال ... من نحره بدرات الذهب

ويلبث طارقها ليلةً ... وفي الصبح للسير عنها وثب

ووفّاده اختلفت في حماه ... على مقتضى مالها من أدب

فهذا مقيم وذا قادم ... وذا راحل في بطان الحقب

ويحبوهم بالجليل الخطير ... وينسى الخطير الذي قد وهب

<<  <   >  >>