ينام الضحى حتى إذا نومه استوى ... تنبه مثلوج الفؤاد مورما
مقيم مع المثرين ليس ببارح ... إذا نال وجدي من الطعام ومجثما
ولله صعلوك يساور همه ... وتمضي على الأحداث والدهر مقدما
فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة ... ولا شبعة إن نالها عد مغنما
إذا ما رأى يوماً مكارم أعرضت ... تيمم كبراهن ثمت صمما
ويغشى إذا ما كان يوم كريهة ... صدور العوالي فهو مختضب دما
يرى رمحه ونبله ومجنه ... وذا شطب عضب الضريبة مخذما
وأحناء سرج قاتر ولجامه ... عتاد فتى هيجا وطرفا مسموما
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه ... وإن عاش لم يقعد ضعيفاً مذمما
وعلى الجملة فشعر حاتم صوره لنفسه وأخلاقه وجوده، ولذلك قال ابن الأعرابي: جوده يشبه شعره.
وهو غزير البحر، فياض بالأمثال والحكم والمعاني المتصلة بالجود واللوم عليه وما يتصل به من جمال الذكر وحسن الأحدوثة.
وقد ترى بعض التفاوت في شعره، وذلك إنما يرجع إلى كثرة المدسوس عليه، وجمع شعره في ديوان طبع بلندن وبيروت. وتوفي حاتم نحو سنة ٤٥ ق. هـ.
- ٣ - ويقول فيه الشريشي في شرح المقامات: أبو عدي فارس شاعر جاهلي أحد الأجواد الذين يضرب بهم المثل بل هو أشهر منهم، وهم كعب بن أمامة وهرم بن سنان وحاتم، وكان إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا قامر سبق وإذا أسر أطلق وإذا أثر أنفق ويقال إنه لا يعرف ميت قرى أضيافه إلا هو وذلك أن ركباً من العرب نزلوا بموضع قبره وقد نفذ زادهم وفيهم رجل يكنى أبا خيبرى فجعل يقول: أبا سفانة أما تقرى أضيافك أبا سفانة إن أضيافك جياع، ويعيدها، فلما نام ثار من نومه وهو يقول: وا راحلتاه عقرت والله ناقتي، فقال له أصحاب: وكيف؟ قال رأيت أبا سفانة قد انشق عنه قبره فاستوى قائماً ينشدني:
أبا خيبرى لأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة لوامها
وماذا تريد إلى رمة ... بداوية صخب هامها
أتبغي أذاهم وأسعارها ... ودونك طي وأنعامها
ثم عمد إلى سيفي فانتضاه من غمده وعقر ناقتي وقال: دونكم فما أيقظني إلا رغاؤها، وإذا الناقة ترغو ما تنبعث، فقالوا قد والله قراك حاتم. فنحروها وأكلوا وتزودوا واقتسموا متاع أبي خيبرى واستمروا لوجهتهم فلما صاروا في الظهيرة وضح لهم راكب يجنب بعيرا يؤم سمتهم حتى التقوا فقال لهم أفيكم أبو خيبرى؟ قالوا نعم، فقال فإن عدي بن حاتم رأى أباه البارحة وهو يقول إن أبا خيبرى وأصحابه استقروني فقريتهم ناقته فعوضه منها وزده بكرا يحمل عليه متاعه وهذه الناقة وهذا البكر فارتحل أبو خيبرى الناقة وتخفف هو وأصحابه من أزوادهم على البكر ومضوا بأتم قرى.. وأدرك عدي ابنه النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وكان يحدث أصحابه بهذا الحديث بعد إسلامه.. وقال الشاعر في عدي:
أبوك أبو سفانة الخير لم يزل ... لدن شاب حتى مات في الخير راغبا
قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ... ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا
وكانت سفانة بنته من أجود نساء العرب وكان أبوها يعطيها الصرمة من إبله فتهبها وتعطيها للناس، فقال لها أبوها: يا بنية إن الغويين إذا اجتمعا في المال أتلفاه فإما أن أعطي وتمسكي وإما أن أمسك وتعطي فإنه لا يبقى على هذا شيء. فقالت والله لا أمسك أبدا. قال وأنا لا أمسك أبدا، قالت فلا نتجاور، فقاسمها ماله وتباينا.. وحكي أن أمه كانت من أسخى الناس وأقراهم للضيف وكانت لا تحبس شيئاً تملكه، وهي عتبة بنت عفيف بن عمرو بن عبد القيس، فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها سرمة من إبلها، فجاءتها امرأة من هوازن تسألها، فقالت دونك الصرمة فخذيها فوالله لقد عضني من الجوع مالا أمنع بعده سائلا أبدا.. ثم أنشأت تقول:
لعمري لقد ما عضني الجوع عضة ... فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائم اليوم أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان معانا
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعة ... وكيف بتركي ياابن أم الطبائعا؟