إذا ما غدونا نبتغي الصيد مرة ... متى نره فإننا لا نخاتله
فبينا نبغي الصيد جاء غلامنا ... يدب ويخفى شخصه ويضائله
فقال شياه راتعات بقفرة ... بمستأسد القريان حو مسائله
ثلاث كأقواس السراء مسحل ... قد اخضر من لس الغمير جحافله
وقد خرم الطراد عنه جحاشه ... فلم تبق إلا نفسه وحلائله
فقال: أميري ما ترى رأي ما نرى ... أنختله عن نفسه أم نصاوله
فبتنا عراة عند رأس جوادنا ... يزاولنا عمن نفسه ونزاوله
ونضربه حتى اطمأن قذاله ... ولم يطمئن قلبه وخصائله
وملجمنا ما إن ينال قذاله ... ولا قدماه الأرض إلا أنامله
فلأياً بلأي ما حملنا وليدنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله
فقلت له سدد وأبصر طريقه ... وما هو فيه عن وصاتي شاغله
وقلت: تعلم أن للصيد غرة ... وإلا تضبعها فإنك قاتله
فتمع آثار الشياه وليدنا ... كشؤبوب غيث يحفش الأكم وابله
نظرت إليه نظرة فرأيته ... على كل حال مرة هو حامله
يثرن الحصى في وجهه وهو لاحق ... سراع تواليه صياب أوائله
فرد علينا العير من دن إلفه ... على رغمه يدمى نساه وفائله
ورحنا به ينضو الجياد عشية ... مخضبة أرساغه وعوامله
بذي ميعة لا موضع الرمح مسلم ... لبطء ولا ما خلف ذلك خاذله
وأبيض فياض يداه غمامة ... على معئفيه ما تغب فواضله
بكرت عليه غدوة فرأيته ... قعوداً لديه بالصريم عواذله
يفدينه طوراً وطوراً يلمنه ... وأعيا فما يدرين أين مخاتله
فأقصرن منه عن كريم مرزأ ... عزم على الأمر الذي هو فاعله
أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وذي نسب ناء بعيد وصلته ... بمال وما يدري بأنك واصله
وذي نعمة تممتها وشكرتها ... وخصم يكاد يغلب الحق باطله
دفعت بمعروف من القول صائب ... إذا ما أضل الناطقين مفاصله
وذي خطل في القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله
عبأت له حلماً وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
حذيفة ينميه وبدر كلاهما ... إلى باذخ يعلو على من يطاوله
ومن مثل حصن في الحروب، ومثله ... لإنكار ضيم، أو لأمر يحاوله؟
أبي الضيم والنعمان يخرق نابه ... عليه فأفضى والسيوف معاقله
عزيز إذا حل الخليفان حوله ... بذي لجب لجاته وصواهله
يهد له ما دون رملة عالج ... ومن أهله بالغور زالت زلازله
وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله
فأقبلت في الساعين أسأل عنهم ... سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله
- ٤ - وقال يمدح هرم بن سنان وأباه وإخوته:
إن الخليط أجد البين فانفرقا ... وعلق القلب من أسماء ما علقا
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع وأمسى الرهن قد غلقا
وأحلفتك ابنة البكري ما وعدت ... فأصبح الحبل واهناً خلقا
قامت تراءى بذي ضال لتحزنني ... ولا محالة أن يشتاق من عشقا
بجيد مغزلة أدماء خازلة ... من الظباء تراعى شادناً خرقا
كأن ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من طيب الراح لما يعد أن عتقا
شج لسقاة على ناجودها شبما ... من ماء لينة لا طرقاً ولا زنقا
مازلت أرمقهم حتى إذا هبطت ... أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
دانية لشروري أو قفا أدم ... يسعى الحداة على آثارهم حزقا
كأن عيني في غربي مقتلة ... من النواضح تسقى جنة سحقا
تمطو الرشاء فتجري في ثنايتها ... من المحالة ثقباً رائداً قلقا
لها متاع وأعوان غدون به ... قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا
وخلفها سائق يحذو إذا خشيت ... منه اللحاق تمد الصلب والعنقا
وقابل يتغنى كلما قدرت ... على العراقي يداه قائماً دفقا
يحيل في جدول تخبو ضفادعه ... حبو الجواري ترى في مائه نطقا
يخرجن من شربات ماؤها طحل ... على الجذوع يخفن الغم والغرقا