وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَضَعتهَا فِي كتاب السّنَن أَكْثَرهَا مشاهير وَهِي عِنْد كل من كتب شَيْئا من الحَدِيث إِلَّا أَن تمييزها لَا يقدر عَلَيْهِ كل النَّاس فَالْحَدِيث الْمَشْهُور الْمُتَّصِل الصَّحِيح لَيْسَ يقدر أَن يردهُ عَلَيْك أحد وَأما الحَدِيث الْغَرِيب فَإِنَّهُ لَا يحْتَج بِهِ وَلَو كَانَ من رِوَايَة الثِّقَات من أَئِمَّة الْعلم قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا يكْرهُونَ الْغَرِيب من الحَدِيث وَقَالَ يزِيد بن أبي حبيب إِذا سَمِعت الحَدِيث فانشده كَمَا تنشد الضَّالة فَإِن عرف وَإِلَّا فَدَعْهُ
وَقد اشْتهر هَذَا الْكتاب بَين الْفُقَهَاء اشتهارا عَظِيما لجمعه أَحَادِيث الْحُكَّام قَالَ الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي معالم السّنَن اعلموا رحمكم الله تَعَالَى أَن كتاب السّنَن لأبي دَاوُد كتاب شرِيف لم يصنف فِي علم الدّين كتاب مثله وَقد رزق الْقبُول من النَّاس كَافَّة فَصَارَ حكما بَين فرق الْعلمَاء وطبقات الْفُقَهَاء على اخْتِلَاف مذاهبهم فَلِكُل مِنْهُ ورد وَمِنْه شرب وَعَلِيهِ معول أهل الْعرَاق وَأهل مصر وبلاد الْمغرب وَكثير من أقطار الأَرْض
فَأَما أهل خُرَاسَان فقد أولع أَكْثَرهم بِكِتَاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَمُسلم بن الْحجَّاج وَمن نحا نَحْوهمَا فِي جمع الصَّحِيح على شَرطهمَا فِي السبك والانتقاد إِلَّا أَن كتاب أبي دَاوُد أحسن وضعا وَأكْثر فقها وَكتاب أبي عِيسَى أَيْضا كتاب حسن وَالله يغْفر لجماعاتهم وَيحسن على جميل النِّيَّة فِيمَا سعوا لَهُ مثوبتهم برحمته اهـ
وَحَيْثُ عرفت مَا قيل فِي شَأْن كتب السّنَن الْمَذْكُورَة تعرف ان الْحَافِظ السلَفِي قد أفرط فِي التساهل حَيْثُ قَالَ فِي شَأْن الْكتب الْخَمْسَة قد اتّفق على صِحَّتهَا عُلَمَاء الشرق والغرب وَكَيف لَا يُقَال إِنَّه أفرط فِي التساهل وَأَبُو دَاوُد قد صرح بانقسام مَا فِي كتبه إِلَى صَحِيح وَغَيره وَالتِّرْمِذِيّ قد ميز فِي كِتَابه بَين الصَّحِيح وَالْحسن