وَمن نظر فِي الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي تخرج الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي كثير من كتب الْكَلَام أَو الْفِقْه أَو الْأُصُول أَو التَّفْسِير رأى من كَثْرَة الْأَحَادِيث الضعيفة الْوَاهِيَة الَّتِي يوردونها للاحتجاج أمرا هائلا وَقد حكم أهل البصيرة من الْعلمَاء الْأَعْلَام بِأَن هَؤُلَاءِ الَّذين يوردونها للاستشهاد بهَا لَا يعذرُونَ إِلَّا من لم يقصر مِنْهُم فِي الْبَحْث وَالِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِذا أَخطَأ بعد ذَلِك لم يكن ملوما
وَقد تعرض كثير من الْعلمَاء الَّذين وقفُوا على الضَّرَر الَّذِي نَشأ من نشر الْأَحَادِيث الضعيفة فِي الْأمة من غير إِشَارَة إِلَى ضعفها لبَيَان ذَلِك وَقد أَحْبَبْت أَن أورد شَيْئا من ذَلِك على طَرِيق التَّلْخِيص
قَالَ الْحَكِيم الْمُحَقق أَبُو الريحان البيروني فِي الْكتاب الَّذِي أَلفه فِي تَحْقِيق مَا ينْسب لأهل الْهِنْد من مقَالَة فِي مَبْحَث صُورَة السَّمَاء وَالْأَرْض إِن الْقُرْآن لم ينْطق فِي هَذَا الْبَاب وَفِي كل شَيْء ضَرُورِيّ بِمَا يحوج إِلَى تعسف فِي تَأْوِيل وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَشْيَاء الضرورية مَعهَا حَذْو القذة بالقذة وبإحكام من غير تشابه وَلم يشْتَمل أَيْضا على شَيْء مِمَّا اخْتلف فِيهِ وأيس من الْوُصُول إِلَيْهِ
وَإِن كَانَ الْإِسْلَام مكيدا فِي مبادئه بِقوم من مناوئيه أظهروه بانتحال وحكوا لِذَوي السَّلامَة فِي الْقُلُوب من كتبهمْ مَا لم يخلق الله مِنْهُ فِيهَا شَيْئا لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا فصدقوهم وكتبوها عَنْهُم مغترين بنفاقهم وَتركُوا مَا عِنْدهم من الْكتاب الْحق لِأَن قُلُوب الْعَامَّة إِلَى الخرافات أميل فتشوشت الْأَخْبَار لذَلِك
ثمَّ جَاءَت طامة أُخْرَى من جِهَة الزَّنَادِقَة كأصحاب ماني كَعبد الْكَرِيم بن أبي العوجاء وَأَمْثَاله فشككوا ضِعَاف الغرائز فِي الْوَاحِد الأول من جِهَة التَّعْدِيل