والتهجم على التَّخْرِيج والتفريع حَتَّى لقد صَار هَذَا عَادَة وفضيلة فَمن لم يَأْتِ بذلك لم يكن عِنْدهم بِمَنْزِلَة فالتزموا للحمية نقل مَا لَا يجوز نَقله لما عَلمته آنِفا
ثمَّ قد عَم أَكْثَرهم بل كلهم نقل أقاويل يجب الْإِعْرَاض عَنْهَا فِي نظرهم بِنَاء على كَونهَا قولا ثَالِثا وَهُوَ بَاطِل عِنْدهم أَو لِأَنَّهَا مُرْسلَة فِي سندها عَن قائها وَخَرجُوا مَا يكون بِمَنْزِلَة قَول ثَالِث بِنَاء على مَا يظْهر لَهُم من الدَّلِيل فَمَا هَؤُلَاءِ بمقلدين حِينَئِذٍ
وَقد يَحْكِي أحدهم فِي كِتَابه أَشْيَاء يتَوَهَّم المسترشد أَنَّهَا إِمَّا مَأْخُوذَة من نُصُوص الإِمَام أَو مِمَّا اتّفق الْأَصْحَاب على نسبتها إِلَى الإِمَام مذهبا لَهُ وَلَا يذكر الحاكي لَهُ مَا يدل على ذَلِك وَلَا أَنه اخْتِيَار لَهُ وَلَعَلَّه يكون قد استنبطه أَو رَآهُ وَجها لبَعض الْأَصْحَاب أَو احْتِمَال فَهَذَا أشبه بالتدليس فَإِن قَصده فَشبه المين وَإِن وَقع سَهوا أَو جهلا فَهُوَ أَعلَى مَرَاتِب البلادة والشين كَمَا قيل
(فَإِن كنت لَا تَدْرِي فَتلك مُصِيبَة ... وَإِن كنت تَدْرِي فالمصيبة أعظم)
وَقد يحكون فِي كتبهمْ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّته وَلَا يجوز عِنْدهم الْعَمَل بِهِ ويدفعهم إِلَى ذَلِك تَكْثِير الْأَقَاوِيل لِأَن من يَحْكِي عَن الإِمَام أقوالا متناقضة أَو يخرج خلاف الْمَنْقُول عَن الإِمَام فَإِنَّهُ لَا يعْتَقد الْجمع بَينهمَا على وَجه الْجمع بل إِمَّا التَّخْيِير أَو الْوَقْف أَو الْبَدَل أَو الْجمع بَينهَا على وَجه يلْزم عَنْهَا قَول وَاحِد بِاعْتِبَار حَالين أَو محلين وكل وَاحِد من هَذِه الْأَقْسَام حكمه خلاف حكم هَذِه الْحِكَايَة عِنْد تعريها عَن قرينَة مفيدة لذَلِك وَالْغَرَض كَذَلِك
وَقد يشْرَح أحدهم كتابا وَيجْعَل مَا يَقُوله صَاحب الْكتاب المشروح رِوَايَة أَو وَجها أَو اخْتِيَارا لصَاحب الْكتاب وَلم يكن ذكره عَن نَفسه أَو أَنه ظَاهر الْمَذْهَب من غير أَن يبين سَبَب شَيْء من ذَلِك وَهَذَا إِجْمَال وإهمال
وَقد يَقُول أحدهم الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَو ظَاهر الْمَذْهَب كَذَا وَلَا يَقُول وَعِنْدِي وَيَقُول غَيره خلاف ذَلِك فَلَيْسَ يُقَلّد الْعَاميّ إِذا فَإِن كلا مِنْهُم يعْمل بِمَا يرى فالتقليد إِذا لَيْسَ للْإِمَام بل للأصحاب فِي أَن هَذَا مَذْهَب الإِمَام