ثمَّ إِن أَكثر المصنفين والحاكمين قد يفهمون معنى ويعبرون عَنهُ بِلَفْظ يتوهمون أَنه واف بالغرض وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِذا نظر أحد فِيهِ وَفِي قَول من أَتَى بِلَفْظ واف بالغرض رُبمَا يتَوَهَّم أَنَّهَا مَسْأَلَة خلاف لِأَن بَعضهم قد يفهم من عبارَة من يَثِق بِهِ معنى قد يكون على وفْق مُرَاد المُصَنّف وَقد لَا يكون فيحصر ذَلِك الْمَعْنى فِي لفظ وجيز فبالضرورة يصير مَفْهُوم كل وَاحِد من اللَّفْظَيْنِ من جِهَة التَّنْبِيه وَغَيره وَغير مَفْهُوم الآخر
وَقد يذكر أحدهم فِي مَسْأَلَة إِجْمَاعًا بِنَاء على عدم علمه بقول يُخَالف مَا يُعلمهُ
وَمن تتبع حِكَايَة الإجماعات مِمَّن يحكيها وطالبه بمستنداتها علم صِحَة مَا ادعيناه
وَرُبمَا أَتَى بعض النَّاس بِلَفْظ يشبه قَول من قبله وَلم يكن أَخذه مِنْهُ فيظن أَنه قد أَخذه مِنْهُ فَيحمل كَلَامه على محمل كَلَام من قبله فَإِن رُؤِيَ مغايرا لَهُ نسب إِلَى السَّهْو أَو الْجَهْل أَو تعمد الْكَذِب أَو يكون قد أَخذ مِنْهُ وأتى بِلَفْظ يغاير مَدْلُول كَلَام من أَخذ مِنْهُ فيظن أَنه لم يَأْخُذ مِنْهُ فَيحمل كَلَامه على غير محمل كَلَام من أَخذ مِنْهُ فَيجْعَل الْخلاف فِيمَا لَا خلاف فِيهِ أَو الْوِفَاق فِيمَا فِيهِ خلاف
وَقد يقْصد أحدهم حِكَايَة معنى أَلْفَاظ الْغَيْر وَرُبمَا كَانُوا مِمَّن لَا يرى جَوَاز نقل الْمَعْنى دون اللَّفْظ
وَقد يكون فَاعل ذَلِك مِمَّن يُعلل الْمَنْع فِي صُورَة الْغَرَض بِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ من التحريف غَالِبا
وَمن عرف حَقِيقَة هَذِه الْأَسْبَاب رُبمَا رأى ترك التصنيف أولى إِن لم يحْتَرز عَنْهَا لما يلْزم من هَذِه المحاذير وَغَيرهَا غَالِبا
فَإِن قيل يرد هَذَا فعل القدماء وَإِلَى الْآن من غير نَكِير وَهُوَ دَلِيل الْجَوَاز وَإِلَّا امْتنع على الْأمة ترك الْإِنْكَار إِذا لقَوْله تَعَالَى {وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} وَنَحْوه من الْكتاب وَالسّنة
قُلْنَا الْأَولونَ لم يَفْعَلُوا شَيْئا مِمَّا عبناه فَإِن الصَّحَابَة لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم تأليف فضلا عَن أَن يكون على هَذِه الصّفة وفعلهم غير مُلْزم لمن لَا يَعْتَقِدهُ حجَّة