للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقد كَانَ الْخط الْعَرَبِيّ فِي أول الْأَمر خَالِيا من النقط والشكل فَكَانَ لَا يُؤمن فِيهِ التَّصْحِيف والتحريف على كل قَارِئ ثمَّ وضع بعد ذَلِك النقط والشكل

أما النقط فللتمييز بَين بعض الْحُرُوف الْمُشْتَركَة فِي صُورَة وَاحِدَة فأمن بذلك من التَّصْحِيف

وَأما الشكل فلبيان الحركات الَّتِي للحروف فأمن بذلك من التحريف فَصَارَ الْخط الْعَرَبِيّ مَعَ حسن الصُّورَة وافيا بالغرض الْمَطْلُوب من الْخط

وَإِنَّمَا اخْتَارُوا جعل الشكل مُسْتقِلّا لما أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي بعض رسائلنا فِي الْخط حَيْثُ قُلْنَا قد اخْتلفت مناهج أَرْبَاب الْكِتَابَة فِي أَمر الحركات فَمنهمْ من لم يتَّخذ لَهَا علائم فِي الْخط كالسامرة

وَمِنْهُم من اتخذ لَهَا علائم

وَهَؤُلَاء أَقسَام مِنْهُم من اتخذ لَهَا علائم مُتَّصِلَة بالحروف حَتَّى تَتَغَيَّر صُورَة الْحَرْف بِتَغَيُّر حركته كَأَهل الْحَبَشَة فَإِن لكل حرف عِنْدهم صورا شَتَّى تخْتَلف باخْتلَاف حركته وَمِنْهُم من اتخذ لَهَا علائم لَا تَتَغَيَّر صُورَة الْحَرْف بتغيرها

وَهَؤُلَاء قِسْمَانِ قسم اخْتَارُوا أَن تكون علائم الحركات فِي أثْنَاء الْكَلِمَة فرسموا حَرَكَة كل حرف متحرك بعده فِي أثْنَاء السطر كاليونانيين واللاتينيين

وَكَأن هَؤُلَاءِ جعلُوا الْحَرَكَة جزأ من الْكَلِمَة فِي الْكِتَابَة وَبِذَلِك سهلت الْقِرَاءَة وصعبت الْكِتَابَة وَذَلِكَ أَن الكابت بهَا يَغْدُو كَأَنَّهُ يكْتب الْكَلِمَة مرَّتَيْنِ

وَقسم اخْتَارُوا أَن تجْعَل علائم الحركات مُسْتَقلَّة خَارِجَة عَن السطر فتوضع عَلامَة الْحَرَكَة فَوق الْحَرْف المحرك بهَا أَو تَحْتَهُ كالعرب والعبرانيين والسريانيين

وَهَؤُلَاء قد جعلُوا زِمَام الحركات فِي أَيْديهم وَبِذَلِك يَتَيَسَّر لَهُم أَن يجروا على مُقْتَضى الْحَال من الشكل عِنْد الْإِشْكَال وَتَركه عِنْد عدم الْإِشْكَال وَتَركه أَو شدَّة الاستعجال

وَقد بلغ الْخط الْعَرَبِيّ من الْكَمَال مَا لَا يخفى على من نظر فِي الْكتب الَّتِي غفل عَنْهَا الزَّمَان فَلم يصبهَا بِآفَة فَبَقيت إِلَى هَذَا الْعَهْد فَإِن كثيرا مِنْهَا كتب بِخَط يروق الطّرف مَعَ حسن الضَّبْط وَوضع علائم الْوَقْف بِحَيْثُ يقْرَأ فِيهَا كل قَارِئ بِدُونِ أدنى توقف

<<  <  ج: ص:  >  >>